فهو ربّكم كما أنّه ربّنا ، وان كنتم تحاجّوننا لانكاركم علينا أعمالنا فلا ضرر من أعمالنا عليكم حتّى تخاصموننا بل نفعها لنا وضررها علينا ولا تنقصكم من أعمالكم شيئا حتّى تحاجّونا لذلك (وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) واقتضاء الإخلاص ان لا يتضرّر أحد بعملنا وان لا يخاصمنا من انتسب اليه تعالى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) اى تعتقدون ذلك وتثبتون بذلك على دينكم وتنكرون ما وراءه وتحتجّون علينا فيه (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) وقد أخبرنا الله بانّ إبراهيم ما كان يهوديّا ولا نصرانيّا واحتجّ عليه بما لا مرد له من قوله (ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) وبهذين الكتابين ثبتت اليهوديّة والنّصرانيّة (وَ) قل تعريضا بهم وبكتمانهم شهادة الله لمحمّد (ص) الّتي ثبتت في كتبهم وأخبرهم بها أسلافهم (مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) اى ممّن كتم شهادة ثابتة من الله مودعة عنده فقوله من الله ليس متعلّقا بكتم بل هو صفة لشهادة ولفظة من ابتدائيّة داخلة على فاعل المصدر مثل زعما منهم (وَ) قل (مَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) لتهديدهم أو قوله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ) ابتداء قول من الله (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) كرّر العبارة للتّأكيد في الزّجر عن الافتخار بالآباء والاتّكال على الأنساب فانّه كان ديدن العامّة قديما وجديدا كما كان المحاجّة بالآباء والتعصّب لدينهم ديدنهم.
الجزء الثّانى
(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ) اخبار من الله بما سيقع منهم والمراد بالّسفهاء من خفّت أحلامهم واعتادوا ما رأوا من آبائهم ولم ينظروا بعقولهم ولم ينقادوا الّذي نظر من المنافقين والمشركين وأهل الكتاب (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) يعنى بيت المقدّس (قُلْ) بعد ما قالوا ذلك (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو من الله ما اقتضته حكمته ومن الخلق التّسليم لأمره روى أنّه جاء قوم من اليهود بعد انصرافه (ص) الى الكعبة فقالوا : يا محمّد (ص) هذه القبلة بيت المقدّس قد صليّت إليها اربع عشرة سنة ثمّ تركتها الآن أفحقّا كان ما كنت عليه فقد تركته الى باطل فانّ ما يخالف الحقّ فهو باطل ، أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدّة فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل؟ ـ فقال رسول الله (ص) بل ذلك كان حقّا وهذا حقّ يقول الله تعالى : قل : (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إذا عرف صلاحكم يا ايّها العباد في استقبال المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ؛ الى آخر الحديث (وَكَذلِكَ) اى مثل هداية الله لكم الى الايمان بالله تعالى والمنزل على إبراهيم وإسماعيل ومثل الهداية الى الصّراط المستقيم المستفاد من السّابق ، ولذا أتى بأداة العطف كأنّه قال : هديناكم الى الايمان بالله وبما أنزل والى الصّراط المستقيم وكذلك (جَعَلْناكُمْ) الخطاب للائمّة (ع) وآل الرّسول بحسب مقام رسالته وهم الائمّة (ع) والاتباع الّذين صاروا منهم بقوّة متابعتهم (أُمَّةً) الامّة تطلق على من يؤمّ شخصا آخر