مع عدم احتياجها الى مؤنة من حمل أثقال كثيرة الى بلاد بعيدة آيات عديدة دالّة على صانع حكيم قدير ذي عناية بالخلق (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ) من جهة الفلك أو من جهة العلو (مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بتهييج قواها وإنبات نباتها وتوريق أشجارها (وَبَثَ) عطف على أنزل الله اى فيما بثّ من الحشرات والانعام والسّباع وأصناف الإنسان ، أو عطف على أحيا اى فيما أنزل من السّماء فأحياء بسببه الأرض وبثّ بسببه (فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) ولفظة من على الاوّل بيانيّة ، وعلى الثّانى تبعيضيّة ووجه سببيّة المطر لبثّ الدّوابّ انّ توليد المتولّدات من الحشرات انّما يكون برطوبة الأرض والهواء الممتزجة بحرارة الشّمس المختلطة بالاجزاء الارضيّة المتعفّنة بسبب الحرارة وبقائها وبقاء المتولّدات وتعيّشها انّما يكون بسبب كثرة نبات الأرض الحاصلة من كثرة رطوبة الأرض والهواء الحاصلة من كثرة المطر (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) الّذى به تبديل الهواء حتّى لا يركن فيتعفّن فيفسد أمزجة الحيوان والنّبات وحتّى يذهب بالهواء العفن ويبرد أبدان الحيوان والنّبات بتبديل الهواء المجاور المتسخّن بالمجاورة والرّكون ، وتنتفعون به في معايشكم بإجراء الفلك وإقلال السّحاب وتمييز الحبوب من الأتبان (وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) بحيث يحمل الاجزاء الرّشّيّة المائيّة ويستحيل إليها أجزاء هوائيّة فيذهب بها الى مواضع أمره الله بالامطار فيها فيمطر بحيث ينتفع الأرض به من أنواع المطر لا بحيث يفسد الأرض وعماراتها ومواليدها وقد يأتى بالثّلج في وقته أو بالبرد في محلّ ينتفع به وقد يأتى بالمطر أو الثّلج أو البرد بحيث يكون ضررها أكثر من نفعها إذا أراد الله بقوم ضرّا (لَآياتٍ) دالّة على صانع عليم حكيم قادر لا يشذّ عن علمه شيء رحمن رحيم كما أشير إليها (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يدركون بالعقول لا بالمدارك الحيوانيّة أو لقوم صائرين عقلاء ، والإتيان بالمضارع للدّلالة على حدوث العقل بعد ان لم يكن لا لغير العقلاء ممّن كانوا كالأنعام أو هم أضلّ فانّ العاقل يدرك من الأشياء دقائق الحكم المودعة فيها وأسبابها ومسبّبا لا غيره (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ) عطف على جملة (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، أو حال (مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً) قد فسّر الآية الشّريفة في الاخبار بمنافقى الأمّة والأنداد برؤسائهم وعلى هذا فمعنى الآية من النّاس من يتّخذ أندادا لولىّ الأمر حالكون الأنداد بعضا من غير الله تعالى في مظهره أو من يتّخذ من غير اذن الله أندادا ، أو من غير اذن الله أندادا لله في مظهره (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة (أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) في مظهره الّذى هو علىّ (ع) من غيرهم انّ محبّتهم نفسانيّة عرضيّة لأنّ شأن النّفس العداوة والبغضاء ومحبّة المؤمنين عقلانيّة ذاتيّة (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بمنعها عن حقوقها الّتى هي التّسليم للولاية والقبول والتّأثّر منها واتّباع ولىّ الأمر والاستنارة بنوره ، ولفظ لو للشّرط وهو الظّاهر أو للتمنّى (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) إذ ظرف أو اسم خالص مفعول به ليرى وعلى الاوّل فقوله تعالى (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) مفعول به ليرى أو بدل من العذاب على ان يكون مفعول يرى محذوفا وعلى الثّانى يكون بدلا من إذ يرون أو من العذاب ومعنى كون القوّة جميعا لله انّ قدرة كلّ ذي قدرة رقيقة من القدرة المطلقة والرّقائق متقوّمة بالمطلق ، ونسبتها الى الممكنات اعتباريّة لا حقيقة لها وقرئ ترى بالخطاب ويرون مبنيّا للمفعول من ارى وانّ القوّة بكسر انّ وكذا قوله تعالى