تَتَّقُونَ) تتّصفون بالتّقوى وتصيرون أتقياء أو لعلّكم تتّقون المعاصي ودواعي النّفس لانّ إمساك النّفس عن المأكول والمشروب مدّة غير معتادة يضعّفها وفي ضعفها ضعف دواعيها ومقتضياتها وقوّة العقل واقتضائه للتّقوى عمّا هو شرّ للإنسان ، نسب الى النّبىّ (ص) انّه قال : خصاء أمّتي الصّوم ، وفي الخبر : من لم يستطع الباءة فليصم فانّ الصّوم له وجاء. وعن الصّادق (ع) انّه قال : انّما فرض الصّيام ليستوي به الغنىّ والفقير وذلك انّ الغنىّ لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير فأراد الله سبحانه ان يذيق الغنىّ مسّ الجوع ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قلائل فانّ العرف تكنّى عن القلّة بالمعدودات وهو متعلّق بتتّقون ومتعلّق الصّيام محذوف بقرينة هذا والمراد بها ايّام الدّنيا أو ايّام الصّوم وامّا تعلّقه بكتب أو الصّيام فغير مستقيم لاخلال الاوّل بالمعنى والثّانى باللّفظ لوقوع الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبيّ الّذى هو لعلّكم تتّقون وهو غير جائز لضعفه في العمل (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) يعنى في تلك الايّام المقرّرة للصوم (أَوْ عَلى سَفَرٍ) وقد بيّن الفقهاء رضوان الله عليهم حدّ السّفر فيه وشرائطه وشرائط القصر والإفطار به وحدّ المرض والإفطار به (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فبدلها عدّة ايّام أو فعليه عدّة ايّام من ايّام أخر وقرئ بالنّصب بتقدير فليصم عدّة من ايّام أخر وهذا بظاهره يدلّ على لزوم الإفطار لكليهما والانتقال الى البدل فانّه تعالى أتى بالشّرطيّة وجعل لازم الشّرط الّذى هو المرض أو السّفر استبدال أيّام الصّوم بأيّام أخر من دون قيد وأفاد انّ هذا الجزاء لازم لهذا الشّرط المطلق. وعن طريق العامّة اخبار كثيرة دالّة على الإفطار في السّفر وتقدير شرط بان يقال فعدّة من ايّام أخر ان أفطر خلاف الظّاهر ومع ذلك فنقول : ان لم يكن فيها حجّة لنا عليهم كانت من المجملات المحتاجة الى البيان وقد بيّنوها لنا مثل سائر مجملات القرآن فانّ أخذ الأحكام من محض الألفاظ خصوصا مجملات القرآن ليس الّا محض التّفسير بالرأى فان أصاب الحقّ فقد أخطأ وليتبوّء مقعده من النّار (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) طاق الشّيء طوقا واطاقه وعليه قدر ؛ وعلى هذه القراءة قيل : انّه كان النّاس في بدو الإسلام لم يتعوّدوا الصّوم فخيّرهم الله تعالى بين الصّوم والفدية ثمّ نسخت ، أو كان المراد على الّذين يطيقونه من المرضى والمسافرين ثمّ جاءت العزيمة بعد ، أو كان المراد على الّذين يطيقون الصّيام من المفطر المريض أو المسافر عوضا عمّا أفطر ثمّ نسخ التّخيير وبقي الصّوم فقط أو الفدية ان لم يصم الى شهر رمضان الّذى بعد هذا الشّهر الّذى أفطره ، أو المراد على الّذين يطيقونه من أمثال الشّيخ والشّيخة والمرضعة وذي العطاش فانّهم ان لم يطيقوه أفطروا وجوبا ، وان أطاقوه كانوا مخيّرين بين الصّوم والفدية ، وأشير في الاخبار الى أكثر هذه الوجوه ، وقرئ يطوّقونه من التّفعيل ويتطوّقونه من التفعّل ويطوّقونه منه بإدغام التّاء في الطاء بعد الإبدال وطيقونه ويطيّقونه ملحقا بالفعللة والتّفعلل أصلهما يطيّقونه ويتطيوقونه كلّ ذلك من الطّوق بمعنى القدرة ، أو بمعنى القلادة مع افادة معنى التكلّف والجهد وعلى هذه القراءة فالمعنى على الّذين يتكلّفون الصّوم ويتعبون بسببه مثل المشايخ والمراضع وذوي العطاش ولا إشكال فيه بعد ذلك فالآية مجملة مثل سائر المجملات (طَعامُ مِسْكِينٍ) مدّ من الطّعام أو مدّ ان كما قيل (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) اى عمل خيرا على التّجريد أو من عمل بطريق الطّاعة خيرا في أداء الفدية بان يزيد فيها أو بان يجمع بين الصّوم والفدية ، أو من تطوّع خير من جملة الطّاعات الدّينيّة (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا) ايّها النّاس المخيّرون بين الصّوم والفدية أو المرضى والمسافرون أو القاضون