(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) تفريع على السّابق يعنى إذا كان شهر رمضان شهر نزول القرآن فيلزم عليكم فيه الإمساك عن غير الله وعن مشتهيات مقامكم الدّانى وهو مقام النّفس حتّى يفتح عليكم مشتهى الرّوح وباب الغيب ، فمن كان منكم حاضرا لا مسافرا كما فسّره الصّادق (ع) ردّا على من خيرّ في السّفر بين الصّوم والإفطار حيث قال : ما أبينها ...! من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه ، فاعتبر (ع) مفهوم المخالفة فانّ المفاهيم وان لم تكن حجّة لكنّها معتبرة في مقام الخطابة (فَلْيَصُمْهُ) فليصم فيه (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) مرضا يضرّ الصّوم بسببه (أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) تصريح بمفهوم المخالفة يعنى من لم يكن حاضرا في الشّهر فلا يصمه وعليه ان يصوم عدد الايّام الفائتة من الشّهر أيّاما أخر من غيره ، وقد أكّد الأمر بالإفطار في المرض والسّفر بالتّصريح اوّلا والاشارة ثانيا وتأكيد مفهوم المخالفة ثالثا (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما يريد الله من الأمر بالصّوم تارة ، ثمّ بالإفطار والصّوم بعد الإفطار أخرى؟ ـ فقال : يريد اليسر حالكونه ملصقا بكم (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وفي الصّوم في المرض والسّفر عسر شديد وفي ترخيص الإفطار فيهما تيسير لكم (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال لئلّا يعسر الصّوم عليكم ولتكملوا العدّة وانّما عدل الى قوله يريد الله للتّصريح بإرادة الله ذلك تشريفا لهم وتلطّفا بهم فالاوّل علّة التّرخيص في الإفطار وهذا علّة الأمر بالصّوم في ايّام أخر (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ) علّة للأمر بالصّوم مطلقا فانّ الصّوم صورة التبرّى وبالتبرّى يرتفع موانع القلب عن التّوجّه الى الله وعظمته ، وبالتّوجّه يظهر عظمة الله وكبرياؤه ، وبظهور عظمته وكبريائه يرتفع الغفلة والنّسيان فانّهما ليسا الّا من استتار عظمته كما قال المولوى قدسسره :
لا تؤاخذ ان نسينا شد گواه |
|
كه بود نسيان بوجهي هم گناه |
زانكه استكمال تعظيم أو نكرد |
|
ورنه نسيان در نياوردى نبرد |
وبعدم الغفلة والنّسيان عن المنعم في النّعمة يحصل الشّكر ولذلك عقّبه بقوله (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعنى تنظرون الى المنعم في نعمة وهو من أجلّ مقامات الإنسان ولمّا كان الصّوم موجبا لتكبير الله وتعظيمه سنّ الله تعالى في آخر الصّوم اعنى ليلة الفطر بعد الصّلوة الى صلوة العيد التّكبير بالكيفيّة المخصوصة المذكورة في الكتب الفقهيّة (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) جملة مستأنفة على مجيء الواو للاستيناف ولكن مجيء الواو للاستيناف المحض من غير ارتباط ما بالسّابق بعيد جدّا فان شئت فسمّه استينافا شبيها بالعطف أو عطفا باعتبار المعنى كأنّه قيل ؛ إذا سألوا عن طاعتي فقل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ،) وإذا سألوا عن نسبتي فانّ المراد بالسّؤال عنه السّؤال عن نسبته الى عباده بقرينة الجواب بنسبته الى خلقه.
تحقيق قربه تعالى
(فَإِنِّي قَرِيبٌ) يعنى فأجبهم بأنّه قريب لأنّى قريب فهو من اقامة السّبب مقام المسبّب وقربه تعالى ليس قربا مكانيّا ولا زمانيّا ولا شرفيّا ولا رتبيّا بل قربه لا ماهيّة له حتّى يحدّ ولا كيف حتّى يعرف بالرّسم ، وانّما هو قرب قيّوميّ نظير قرب ما به قوام الأشياء من الأشياء بل نظير قرب الوحدة من مراتب الاعداد فانّه إذا نظر الى مراتب الاعداد لا يوجد فيها الّا الوحدة الصّرفة من دون ضميمة ضمّت إليها مع أنّها غير الوحدة وآثارها وخواصّها غير آثار الوحدة وخواصها فالوحدة أقرب الأشياء الى الاعداد مع أنّها أبعد الأشياء عنها حتّى قيل : انّها ضدّ لها ، فما أقربك يا من لك وحدانيّة العدد وأبعدنا موصوفين