في التّفاضل وهكذا الحال في سائر الأموال المشتركة ، أو لا تأكلوا أموالكم بنيّة باطلة وداع شيطانىّ بأن تأكلوا أموال أنفسكم لان تتقوّوا على إضرار النّاس أو لمحض تشهّى النّفس أو لا تأكلوا أموال أنفسكم متلبّسين بالباطل الّذى هو ولاية غير ولىّ الأمر أو لا تأكلوها متلبّسين بالغفلة عن التذكّر أيّها المؤمنون ، أو لا تأكلوها غافلين عن الولاية أيّها المسلمون ؛ أو لا تأكلوها غافلين عن اتّباع النّبوّة ايّها النّاس (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) عطف على المنهىّ أو منصوب بتقدير ان وهذا من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ فانّ الأدلاء بمعنى الإلقاء ادلى بماله الى فلان دفعه وألقاه اليه ؛ والمراد لا تلقوا امر الأموال الى الحكّام الإلهيّة أو الغير الإلهيّة لتدلّسوا على الحكّام الإلهيّة وتستظهروا بسبب الرّشوة بالحكّام الغير الالهيّة ؛ فانّ الأخذ بالتّدليس على الحكّام الإلهيّة اشدّ حرمة من السّرقة حيث جعل آلة الدّين شركا للدّنيا ، والاستظهار بالحكّام الغير الإلهيّة تحاكم الى الطّاغوت ومن تحاكم إليهم فأخذ بحقّ فقد أخذ سحتا فكيف حال من أخذ بباطل (لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ) الّذى هو التّدليس والرّشوة (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) اى أنتم العلماء أو تعلمون قبح الباطل والإثم ولا فرق بين كونه قيدا للنّهى أو المنهىّ وقد أشير في الاخبار الى الوجوه الّتى ذكرت في الآية.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) مستأنف مقطوع عن سابقه ولذلك لم يأت بأداة الوصل ، والقمر في اوّل الشّهر الى ليلتين هلال ، وقيل : الى ثلاثة ، وقيل : الى سبعة ، وكانوا يسألون عن الهلال ما باله يبد وفي اوّل الشّهر ضعيفا ثمّ يتزايد حتّى يصير بدرا ثمّ يتناقص حتّى يصير ضعيفا ومختفيا الى ان يظهر في اوّل الشّهر الآخر هلالا ، وكان مقصودهم الاستفسار عن سبب ذلك ولمّا لم يكونوا أهل نظر ولم يقتدروا على ادراك دقائق أسباب ذلك ولم يكن علم ذلك نافعا لهم في دنياهم ولا في آخرتهم أعرض تعالى شأنه عن الجواب المطابق للسؤال وامر نبيّه (ص) ان يجيب بالحكم والغايات المترتّبة عليه فقال : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ) جمع الميقات وهو ما يقدّر به الوقت ويعلم يعنى أنّ الاهلّة واختلافها سبب لمعرفة الأوقات ومعرفة ما يعرف بالأوقات من الزّراعات والتّجارات والدّيون وعدد النّساء والحجّ والصّوم والفطر (لِلنَّاسِ) اى لانتفاع النّاس (وَالْحَجِ) اى لمناسكه خصّ هذا بالذّكر للاهتمام به لانّ أكثر مناسكه موقّت من الشّهر ، ويعرف هذه الغايات المترتّبة على اختلاف الاهلّة بأدنى تذكّر ، وفي معرفتها فوائد كثيرة من معرفة فاعل حكيم مدبّر عليم قدير معتن بخلقه ولا سيّما بالإنسان ومعرفة انعامه وإحسانه المستلزم لتعظيمه وشكره والتّوجّه اليه والتضرّع عليه في الجليل واليسير والقليل والكثير بخلاف ما سألوا عنه.
تحقيق إتيان البيوت من الأبواب ومنع الإتيان من الظّهور
(وَلَيْسَ الْبِرُّ) عطف على هي مواقيت أو على يسألونك بطريق الالتفات من الغيبة الى الخطاب ووجه المناسبة بينهما حتّى أتى بأداة الوصل انّ السّؤال عن اختلاف الاهلّة من غير اطّلاع على هيئة الأفلاك ومناطقها ومقادير حركاتها وحقيقة القمر واكتسابه الضّوء من الشّمس دخول في بيت طلب هذا العلم أو في هذا العلم من ظهره لا من بابه فانّ باب العلم بما ذكر (بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) لا اختصاص للبيوت بما يسمّيّه العرف بيوتا كما عرفت (مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) الإتيان من الظّهور وقد مضى في مثل الآية انّ حمل الذّات على المعنى امّا بتصرّف في الاوّل أو في الثّانى أو في النّسبة (وَأْتُوا) عطف على محذوف مستفاد من قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرُّ