وعلى سيّد أصفيائه (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) اى مثل الذّكر الّذى هديكم اليه على لسان نبيّه (ص) أو من اجازة نبيّه (ص) ، وهذا يدلّ على ما قالته العلماء الاعلام وعرفاء الإسلام انّ العمل إذا لم يكن بتقليد عالم حىّ لم يكن مقبولا ولو كان مطابقا. وقال الصوفيّة : انّ الذّكر اللسانىّ أو القلبىّ إذا لم يكن مأخوذا من عالم مجاز من أهل الاجازة وعلماء أهل البيت لم يكن له أثر ولا ينتفع صاحبه به ، ويحتمل ان يكون ما مصدريّة أو كافّة والمعنى اذكروه ذكرا يوازى هدايته لكم وعلى اىّ تقدير يستنبط التّعليل من اعتبار حيثيّة الهداية ولذلك قيل : انّ هذه العبارة للتّعليل (وَإِنْ كُنْتُمْ) ان مخفّفة من المثقّلة (مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) الجملة حالية (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعنى أفيضوا من عرفات والافاضة منها مستلزمة للوقوع فيها فكأنّه قال : قفوا بعرفات ثمّ أفيضوا منها ولا تقتصروا على الوقوف بالمزدلفة والافاضة منها ، فانّه كانت قريش لا يرون للوقوف بعرفات فضلا وكانوا يقفون بالمشعر الحرام وبه يفتخرون على النّاس فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالوقوف بعرفات والافاضة منها ، وعلى هذا فالإتيان بثمّ للتّفاوت بين الأمرين يعنى بعد ما علمتم الوقوف بالمزدلفة ينبغي لكم الوقوف بعرفات مثل النّاس فلا تستنكفوا منه ولا تفتخروا بالوقوف بالمزدلفة ، وقيل : انّ الآية على التّقديم والتّأخير اى ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربّكم ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس فاذا أفضتم من عرفات ، وروى عن الباقر (ع) أنّه قال : كأنت قريش وحلفاؤهم من الحمس (١) لا يقفون مع النّاس بعرفات ولا يفيضون منها ويقولون : نحن أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم فيقفون بالمشعر ويفيضون منه فأمرهم الله ان يقفوا بعرفات ويفيضوا منها ، وعن الحسين (ع) انّه قال : في حجّ النّبىّ (ص) ثمّ غدا والنّاس معه وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون النّاس ان يفيضوا منها فأقبل رسول الله (ص) وقريش ترجوا ان تكون إفاضته (ص) من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله ، ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس يعنى إبراهيم (ع) وإسماعيل (ع) وإسحاق (ع) ، ويجوز بحسب اللّفظ ان يكون المراد بالافاضة هاهنا الافاضة من المشعر الحرام بل لا تدلّ الآية بظاهرها الّا عليه وفي تفسير الامام (ع) ما يدلّ عليه فانّ فيه ثمّ أفيضوا من حيث أفاض النّاس اى ارجعوا من المشعر الحرام من حيث رجع النّاس من جمع ، قال والنّاس في هذا الموضع الحاجّ غير الحمس فانّ الحمس كانوا لا يفيضون من جمع ، وفيه دلالة على انّ جمعا اسم لموضع خاصّ من المشعر وانّ المراد من الافاضة من حيث أفاض النّاس الافاضة من موضع خاصّ من المشعر الحرام لكنّه مخالف لما روته العامّة والخاصّة من انّهم كانوا لا يفيضون من عرفات فأمرهم الله ان يقفوا بعرفات ثمّ يفيضوا منها (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) ممّا فعلتم بآرائكم الزّائغة وأهوائكم الباطلة من تغيير المناسك والاستنكاف من الوقوف بعرفات مثل النّاس (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر بعد الاستغفار والاعتراف والدّخول تحت طاعة خليفته الذّنوب والنّقائص اللّازمة لكم من انانيّتكم (رَحِيمٌ) يرحمكم بعد مغفرتكم بفتح باب القلب وادخالكم في دار رحمته (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) جملة افعال الحجّ الى الثّالث عشر من ذي الحجّة (فَاذْكُرُوا اللهَ) حيثما كنتم أو مناسككم بعرفات والمزدلفة فاذكروا الله بمنى ومكّة أو إذا قضيتم مناسككم فيهما وفي منى بالحلق أو التّقصير فاذكروا الله بمكّة أو إذا قضيتم في هذه المواضع وفي مكّة فاذكروا الله في ايّام منى ، ويؤيّده تفسير الذّكر بالتكبيرات في ايّام منى (كَذِكْرِكُمْ
__________________
(١) الحمس بالضم والسكون لقّب به قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهليّة لتحمسّهم في دينهم وتصليهم.