تحقيق مراتب كمال الإنسان
اعلم انّ الإنسان قبل هبوط آدم (ع) في العالم الصّغير وبعث الرّسول الباطنىّ كافر محض لا يعرف مبدء ولا معادا وبعد بعث الرّسول الباطنىّ يظهر له إقرار فطريّ بأنّ له مبدء مسخّرا له لكنّه امّا لا يستشعر بهذا الإقرار أصلا ويحتاج الى منبّه خارجىّ ينبّهه على فطرته ، أو يستشعر استشعارا ضعيفا مغلوبا في غفلاته وهذا في قليل من النّاس وقد يستشعر استشعارا قويّا يحمله على الطّلب ولا يدعه حتّى يوصله الى مطلوبه ، مثل الكبريتيّة تكاد تشتعل ولو لم تمسسها نار وهذا في غاية النّدرة ؛ والقسمان الاوّلان امّا يبقون في كفرهم الصّراح ولا يتنبّهون من المنبّهات الخارجيّة والرّسل الإلهيّة وليس لهم همّ إلا قضاء شهواتهم ومقتضيات نفوسهم ، وهؤلاء عامّة النّاس سواء دعاهم رسول خارجىّ أو نوّابهم الى الله اوّلا وسواء قبلوا الدّعوة الظّاهرة وبايعوا البيعة العامّة اولا ؛ غاية الأمر انّ من قبل الدّعوة الظّاهرة ودخل في الإسلام ان مات في حال حيوة الرّسول أو نائبه الّذى بايعه كان ناجيا نجاة ما وكلّ هؤلاء مرجون لأمر الله ، لكنّ البائعين ليسوا مرجين لأمر الله بحسب اوّل درجات النّجاة بل بحسب كمال درجات النّجاة أو يتنبّهون فيطلبون من يدلّهم على مبدئهم فامّا لا يصلون أو يصلون ، والواصل الى الدّليل امّا يعمل بمقتضى دلالة الدّليل أو لا يعمل ، والعامل امّا يبقى في الكفر بحسب الحال أو يتجاوز الى الشّرك الحالىّ أو الى الشّرك الشّهودىّ أو يتجاوز الى التّوحيد الشّهودىّ والتحقّقىّ وفي هذا الحال ان لم يبق له اشارة الى التّوحيد ولا توحيد كان عبد الله وهو آخر مقامات العبوديّة وتماميّة الفقر وحينئذ يحصل له بداية مقامات الرّبوبيّة ان أبقاه الله تعالى بعنايته وان بقي على هذه الحالة ولم يبقه الله بعد فنائه لم يكن له عين ولا اثر فلم يكن له اسم ولا رسم ولا حكم ؛ وهذا أحد مصاديق الحديث القدسىّ : انّ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيري ، واحد مصاديق الولىّ والامام (ع) كما نبيّنه.
تحقيق الولىّ والنّبىّ والرّسول والامام
وان أبقاه الله بعنايته بعد فنائه وتفضّل عليه بالصّحو بعد المحو صار وليّا لله وهذه الولاية روح النّبوّة والرّسالة ومقدّمة عليهما وهي الامامة الّتى تكون قبل النّبوّة والرّسالة ، فان تفضّل عليه وأرجعه الى مملكته وأحيى له أهل مملكته بالحيوة الثّانية الاخرويّة وهذه هي الرّجعة الّتى لا بدّ منها لكلّ أحد اختيارا في حال الحيوة أو اضطرارا بعد الممات وهي الرّجعة في العالم الصّغير صار نبيّا أو خليفة للنّبىّ ، وللنّبوّة وخلافتها مراتب ودرجات لا يحصيها الّا الله ، وتطلق الامامة عليهما أو على خلافة النّبوّة وهي النّبوّة الّتى هي روح الرّسالة ومقدّمة عليها فان وجده الله أهلا لا صلاح مملكته بان لم يكن مفرطا ولا مفرّطا في الحقوق وأرجعه الى الخلق لإصلاحهم صار رسولا أو خليفته وتطلق الامامة عليهما أو على خلافة الرّسالة ومراتب الرّسالة وخلافتها أيضا لا تحصى [وهذه الاربعة أمّهات مراتب الكمال] ولكلّ من هذه حكم واسم غير ما للأخرى. [فانّ الاولى] تسمّى بالعبوديّة لخروج السّالك في تلك المرتبة من انانيّته ومالكيّته وحرّيّته من أسر نفسه ، وبالولاية لظهور ولاية الله وسلطانه هنالك الولاية لله مولاهم الحقّ ومحبّته الخالصة ونصرة الله له وقربه منه ، وبالامامة لوقوعه امام السّالكين ، وبالفقر لظهور افتقاره الذّاتىّ حينئذ وغير ذلك من الأوصاف والثّانية تسمّى بالامامة لوقوع العبد فيها امام الكلّ أيضا ، ولكونها امام النّبوّة والرّسالة وبمقام التّحديث والتّكليم لتحديث الملائكة للعبد فيها من غير رؤيتهم نوما ويقظة ، وبالولاية لما ذكر في المقام الاوّل وغير ذلك من الأسماء كالصّحو بعد المحو والبقاء بعد الفناء والبقاء بالله ، [والثّالثة] تسمّى بالنّبوّة لكون العبد فيها خبيرا من الله ومخبرا عنه والعبد في تلك المرتبة يسمع صوت الملك في النّوم واليقظة ويرى في المنام شخصه ولا يرى في اليقظة ويسمّى في تلك المرتبة اخبار الملائكة وتلقّى العلوم من دون اخبار الملائكة بالوحي والإلهام لا بالتّحديث والتّكليم للفرق بينها وبين سابقتها ، بانّه ليس في السّابقة الّا التّحديث من دون مشاهدة الملك المحدّث من الله ، [والرّابعة] تسمّى بالرّسالة