بما يحفظ هذه الكيفيّة بحيث يؤدّى بالإنسان الى السّلوك الى الله وينهى عمّا يزيل تلك الكيفيّة ، والمسكرات تماما لمّا كانت مزيلة لتسخير العاقلة كان شأن الرّسول (ص) النّهى عنها كما ورد : انّه لم يكن شريعة من لدن آدم (ع) الّا كانت ناهية عن الخمر ، وفي زوال تدبير العاقلة وتسخيرها مفاسد عديدة ولذا سمّيت الخمر بأمّ الخبائث ولكن فيها منافع عديدة من تسمين البدن وتحليل الغذاء وجلاء الأعضاء وتفتيح الّسدد وتشحيذ الذّهن وصفاء القلب وتهييج الحبّ والشّوق وتشجيع النّفس ومنع الشّحّ عنها وغير ذلك.
بيان حرمة شرب دخان الأفيون
وامّا شرب دخان الأفيون الّذى شاع في زماننا فانّ فيه ازالة التدبير العاقلة وتسخيرها تدريجا بحيث لا يعودان ، بخلاف ازالة الخمر فانّ عاقلة السّكران بالخمر بعد الافاقة في غاية التّدبير وسائر القوى فيه في غاية القوّة والسّرعة في امتثال امر العاقلة ، وبشرب دخان الأفيون ينبو العاقلة عن التّدبير ذاتا وينبو الواهمة الّتى خلقت مدركة للمعاني الجزئيّة لان تدرك الآلام واللّذّات الاخرويّة لتحرّك الشّوقيّة للتحريك الى الآخرة عن ادراك المعاني ، والمتخيّلة الّتى خلقت متصرّفة في المعاني والصور بضمّ بعضها الى بعض لاستتمام الجذب والدّفع في معاشه ومعاده والخيال الّذى خلق حافظا للصّور لحسن تدبير المعاش وتحصيل المعاد وحسن المعاملة مع العباد ، والشوقيّة الّتى هي مركب سيره الى الآخرة ومعينة امره في الدّنيا والمحرّكة الّتى هي مركب الشوقيّة والاعصاب الّتى هي مركب المحرّكة وفي نبوّ كلّ تعطيل لحقوق كثيرة ؛ على انّ فيه إضرارا بالبدن وإتلافا للمال ، وإضرار البدن محسوس لكلّ أحد بحيث يعرفون بسيماهم لا يحتاجون الى معرّف وسببه انّ دخان الأفيون بكيفيّته ضدّ للحيوة وانّه مطفئ للحرارة الغريزيّة مجفّف للرطوبة الغريزيّة مسدّد لمسامّ الأعضاء الّتى تنشف الرّطوبات الغريبة والرطوبة الغريزيّة معينة ومبقية للحرارة الغريزيّة الّتى هي معينة للحيوة ومبقية لها والرّطوبة الغريبة منفية للحرارة الغريزيّة وانّ الله تعالى بحكمته جعل جرم الريّة جسما متخلخلا ذا مسامّ لينشف الرّطوبات الحاصلة في فضاء الصّدر من الأبخرة المتصاعدة من المعدة والكبد والقلب حتّى لا تجتمع تلك الرّطوبات فتعفّن فتصير سببا للبرسام والخراج وذات الجنب وذات الصّدر وذات الكبد وذات الرّية ، ودخان الأفيون يجعل الرّية متكاثفة ومسامّها ضيّقة فلا تنشف الرّطوبات كما ينبغي فيحدث الأمراض المذكورة ، ولقد شاهدنا كثيرا من المبتلين به قد ابتلوا بهذه الأمراض وهلكوا ، ففي دخان التّرياق مفاسد الخمر موجودة وفيه مضارّ أخر عوض المنافع الّتى ذكرت في الخمر فهو أشدّ حرمة بوجوه عديدة من الخمر فلعنة الله عليه وعلى شاربه. والإثم قد يطلق على ارتكاب المنهىّ وهو الإثم الشرعىّ وقد يطلق على ما فيه منقصة النّفس وهو المراد هاهنا لانّ الآية من مقدّمات النّهى لا انّها نزلت بعد النّهى عن الخمر والميسر وقد بيّنّا وجه منقصة النّفس الانسانيّة بارتكابهما ، وشأن نزول الآية والاخبار الواردة فيها مذكورة في المفصّلات من أرادها فليرجع إليها.
(وَيَسْئَلُونَكَ) أتى بأداة الوصل لمناسبته مع سابقه بخلاف يسألونك عن الخمر والميسر (ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) والعفو ترك تعرّض المسيء بالسّوء ، أو الصّفح وتطهير القلب من الحقد عليه ، وأطيب المال وخياره ، وفضله وزيادته عن الحاجة ، والمعروف والوسط بين الإقتار والإسراف ، والميسور لا المجهود ، وما يفضل عن قوت السّنة ، والكلّ مناسب يجوز إراداته هاهنا (كَذلِكَ) التّبيين للمنفق بحيث لا يفسد مال المنفق ولا نفسه (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) متعلّق بقوله تتفكّرون اى في امر الدّنيا وشأنها فانّ في مثل هذه الآيات والأحكام الشرعيّة حفظا للدّنيا من وجه وطرحا لها من وجه وتوجّها