حقّا عليكم من النّفقة والكسوة إذا كنّ أزواجكم ومن التّسريح بإحسان إذا كنّ مطلّقات وللمرضعات غير الامّهات حقّا عليكم بسبب إرضاع أولادكم فاذا آتيتم كلّ ذات حقّ حقّها بحيث يكنّ راضيات منكم فلا جناح عليكم وللاشارة الى استرضائهنّ أضاف قوله تعالى (بِالْمَعْرُوفِ) والاخبار في انّ المرضعة كيف ينبغي ان تكون وانّ اللّبن يؤثّر في نفس الرّضيع وانّ لبن الامّهات خير الألبان للأولاد كثيرة (وَاتَّقُوا اللهَ) تحذير للآباء عن التّعدّى على الامّهات أو الأولاد بسبب اللّجاج أو شحّ النّفوس أو الخطاب للآباء والامّهات جميعا (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فأطيعوه ولا تخالفوا أمره ونهيه ترغيب وتهديد (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) توفّى الشّيء اخذه بتمام اجزائه وتوفّى الإنسان أخذ روحه بتمام فعليّاتها ، واستعمال التوفّى في قبض الرّوح للاشعار بأنّه لا يبقى بعد الموت في الدّنيا من الإنسان الّا مادّة قابلة لا مدخليّة لها في الإنسان لا في حقيقته ولا في تشخّصه (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) قد مضى بيان التربّص بالأنفس عند قوله تعالى والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) اى عشرة ايّام لكنّه انّث العشر لتقدير اللّيالى جمع اللّيلة تميزا.
بيان حكمة عدّة النّساء
اعلم انّ الحكمة في العدّة ، عدّة أشياء : الاوّل حفظ حرمة المؤمن ، والثّانى ترقّب حصول الرّغبة من الطّرفين بمضىّ مدّة لم يتضاجعا وحصول المراجعة والمواصلة بينهما فانّ الطّلاق والفرقة مبغوضان لله ، والوصال والالفة محبوبان له ، والثّالث تبرئة الرّحم من الحمل ، والرّابع مراعاة تعلّق قلب المرأة بالزّوج وقطعه فانّها تسكن حرقة المرأة بعد الطّلاق في ثلاثة أشهر وحرقة المتوفّى عنها زوجها لا تسكن الّا في اربعة أشهر وعشرا كما في الخبر ، والخامس مراعاة صبر المرأة عن الجماع وطاقتها فانّ المرأة تصبر عنه اربعة أشهر ولذلك تقرّر ذلك في القسم والإيلاء وهذا أيضا مذكور في الخبر وقد يتخلّف بعض ذلك في بعض الموارد فانّ المطلّقة الغير المدخولة والمطلّقة اليائسة لا عدّة لهما ، والامة والمتعة تعتدّان في الطّلاق وفي انقضاء المدّة أو هبتها نصف الحرّة الدّائمة وفي الوفاة كالحرّة الدّائمة على خلاف ، وذات الأقراء تعتدّ بالأقراء ، وذات الأشهر بالأشهر بعد التربّص قبل الطّلاق بثلاثة أشهر ، وتعتدّ من طلاق الغائب من حين الطّلاق ومن وفاته من حين وصول الخبر ، روى عن الباقر (ع) انّه قال : كلّ النّكاح إذا مات الزّوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى اىّ وجه كان النّكاح منه متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدّة اربعة أشهر وعشرا وقد أشرنا الى انّ في بعض هذه خلافا (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) اى آخر مدّة عدّتهنّ يعنى إذا انقضت العدّة (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ايّها الأولياء أو الأزواج أو الأولياء والأزواج جميعا (فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَ) من النّكاح واجابة الخطاب والتّعرّض لهم (بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فاحذروا ولا تمنعوا النّساء بعد انقضاء العدّة من التزويج ولمّا علّق تعالى نفى الحرج بسبب الخطبة والنّكاح على انقضاء العدّة توهّم من مفهوم المخالفة انّه قبل انقضاء العدّة يكون الحرج ثابتا على الرّجال المذكورين ولا يكون الّا بسبب اثم النّساء في التّعرّض للخطاب حينئذ واثمهنّ في ذلك يلزمه اثم الخطّاب في ذلك فرفع ذلك التّوهّم بقوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ) ايّها الخطّاب (بِهِ) لا فيما صرّحتم به (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) واكتفى بنفي الجناح عن الخطّاب عن ذكر انتفاعه عن النّساء والرّجال المذكورين ، والتّعريض ان يذكر شيئا للمرأة ويشير الى ارادة نكاحها بعد انقضاء عدّتها والرّغبة فيها حتّى لا تجيب غيره وتحبس نفسها له (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي