يعلم من يستأهل للملك ليس جاهلا يكون فعله وحكمه عن قياس ظنّى وحجّة تخمينيّة فقوله : (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) امّا عطف على معمولى انّ ، أو على مجموع انّ الله اصطفاه ، أو حال.
بيان التّابوت والسّكينة
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) لالزامهم بعد ما رأى إنكارهم بقياسهم الفاسد (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) امّا فعلوت من تاب إذا رجع فانّه كان سببا لكثرة مراجعة صاحبه الى الله ولكثرة مراجعة الله عليه ، أو فلعوت مثل طاغوت من تبى يتبو إذا غزا أو غنم فانّه كان سبب الغلبة والغنيمة في الغزاء ، ويجوز ان يكون وزنه فاعولا وان كان نحو سلس وقلق قليلا فان بتّوتا مثل تنّور بمعنى التّابوت يدلّ على انّه فاعول وكان ذلك التّابوت هو الصّندوق الّذى أنزله الله على امّ موسى فوضعته فيه وألقته في اليمّ وكان في بنى إسرائيل يتبرّكون به فلمّا حضر موسى (ع) الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوّة وأودعه يوشع وصيّه فلم يزل التّابوت بينهم حتّى استخفّوا به وكان الصّبيان يلعبون به في الطّرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام التّابوت بينهم فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتّابوت رفعه الله تعالى عنهم فلمّا سألوا النّبىّ وبعث الله تعالى طالوت إليهم ملكا يقاتل ردّ الله عليهم التّابوت كما قال الله تعالى انّ آية ملكه ان يأتيكم التّابوت (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) قد اختلف الاخبار في بيان السّكينة وفي خبر انّها ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان وكان إذا وضع التّابوت بين أيدي المسلمين والكفّار فان تقدّم التّابوت رجل لا يرجع حتّى يقتل أو يغلب ، ومن رجع عن التّابوت كفر وقتله الامام ، وفي خبر ، السّكينة روح الله يتكلّم كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمّهم وأخبرهم ببيان ما يريدون ، وفي خبر انّ السّكينة الّتى كانت فيه كانت ريحا هفّافة من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان ، وفي خبر انّها ريح تخرج من الجنّة لها صورة كصورة الإنسان ورائحة طيّبة وهي الّتى نزلت على إبراهيم (ع) فأقبلت تدور حول أركان البيت وهو يضع الأساطين ، وفي خبر انّ السّكينة لها جناحان ورأس كرأس الهرّة من الزّبرجدّ (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) يعنى موسى (ع) وهارون (ع) وآلهما فانّه يراد كثيرا بإضافة شيء الى امر ذلك الأمر والمضاف جميعا خصوصا إذا كان حيثيّة الاضافة منظورا إليها ، واختلف الاخبار في تفسير تلك البقيّة ففي بعض الاخبار انّها ذرّيّة الأنبياء ، وفي بعض ذرّيّة الأنبياء ورضراض الألواح فيها العلم والحكمة ، وفي بعض الأقوال العلم جاء من السّماء فكتب في الألواح وجعل في التّابوت ، وفي بعض : فيه ألواح موسى الّتى تكسّرت والطّست الّتى يغسل فيها قلوب الأنبياء ، وفي بعض كان فيه عصا موسى (ع) ، وفي بعض الأقوال كان التّابوت هو الّذى أنزل الله على آدم (ع) فيه صور الأنبياء فتوارثه أولاد آدم (ع) (تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) قيل : انّ الملائكة كانوا يحملونه بين السّماء والأرض ، وفي الخبر كان التّابوت في أيدي أعداء بنى إسرائيل من العمالقة غلبوهم لمّا برح امر بنى إسرائيل وحدث فيهم الاحداث ثمّ انتزعه الله من أيديهم وردّه على بنى إسرائيل ، [وقيل] : لمّا غلب الأعداء على التّابوت أدخلوه بيت الأصنام فأصبحت أصنامهم منكبّة فأخرجوه ووضعوه ناحية من المدينة فأخذهم وجع في أعناقهم وكلّ موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء وموت ووباء ؛ فتشأمّوا به فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة الى طالوت ، وفي خبر سئل (ع) : كم كان سعته؟ ـ قال : ثلاثة اذرع في ذراعين. ويستفاد من جملة الاخبار وبيان السّكينة والبقيّة انّه كان المراد بالتّابوت الصّدر المستنير بنور الامام (ع) الظّاهر فيه صورة غيبيّة من الجنّة والصّدر الظّاهر فيه صورة غيبيّة مصاحب للنّصرة والظّفر وتحمله الملائكة وفيه الطست الّتى يغسل فيها قلوب الأنبياء وفيه ذراري الأنبياء وصورهم وبقيّة آل موسى (ع)