وهارون (ع) ، وفيه العلوم والحكمة وهذه الصورة كانت مع إبراهيم (ع) وتدور حول أركان البيت ، وظهور هذه الصورة بشارة من الله بالنبوّة والولاية لو تمكّنت في الإنسان فانّها ريح تفوح من الجنّة وتبشّر بالعناية من الله وهذه سبب استجابة الدّعاء ونزول النّصرة والتّأييد من الله ولذلك ذكرت السّكينة في القرآن قرينة للنّصر والتّأييد بجنود لم تروها وقد اصطلح الصوفيّة على تسمية هذه الصّورة بالسّكينة فانّها سبب سكون النّفس واطمئنانها ، وبها يرتفع كلفة التكليف ويتبدّل الكلفة باللّذّة ، ويحصل الإحسان الّذى هو العبادة ؛ بحيث كان العابد يرى الله فانّ رؤيتها كرؤية الله ، وقول الصّادق (ع): الست تراه في مجلسك؟ اشارة الى هذه الرّؤية ، وقوله تعالى (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ، وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ، واهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقوله (ع): انا الصّراط المستقيم ، وقول المولوى (قدّه) : وقوله :
چونكه با شيخي تو دور از زشتيئى |
|
روز وشب سيارى ودر كشتيئى |
هيچ نكشد نفس را جز ظلّ پير |
|
دامن آن نفس كش را سخت گير |
وأمثال ذلك كلّها اشارة الى هذا الظّهور وتلك المعيّة ولمّا كان المعاني تقتضي الظّهور في المظاهر الدّانية جاز ان يكون التّابوت في الظّاهر صندوقا من خشب الشّمشاد مموّها بالّذهب محسوسا للكلّ دار معه الملك أو النّبوّة كلّما دار وكأنّه كان كثير من بنى إسرائيل يظهر التّابوت والسّكينة وبقيّة آل موسى (ع) وهارون (ع) بحسب المعنى والتّأويل على صدورهم لتأثير قوّة نفوس آبائهم فيهم وتفضّل الله عليهم بسبب آبائهم ولذلك كان فيهم أنبياء كثيرون بحيث قتلوا منهم في يوم واحد الى الضّحى جماعة كثيرة ولم يتغيّر حالهم كأنّهم لم يفعلوا شيئا ، ولمّا عملوا بالمعاصي ارتفع ذلك الفضل عنهم وحرموا التشرّف بالتّابوت والسّكينة وبعد ما اضطرّوا والتجئوا الى نبيّهم تفضّل الله عليهم به وجعله الله آية ملك طالوت وقال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ) ويجوز ان يكون هذا من تتمّة كلام نبيّهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط تهييجىّ وبعد ظهور التّابوت والإقرار بطالوت جمعوا له الجنود وخرجوا الى قتال جالوت (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ) يعنى لمّا أخرجهم من مواطنهم قيل كان الجنود ثمانين ألفا وقيل سبعين وذلك أنّهم لمّا رأوا التّابوت وآثار النّصر تبادروا الى الجهاد (قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) كما هو عادته في حقّ المؤمنين وابتلاؤهم لتثبيتهم على الايمان (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) اى من أتباعى (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) الطّعم عامّ في المشروب والمأكول (فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) وقرئ غرفة بفتح الغين والفرق بينهما انّ مضموم الفاء اسم للمصدر ومفتوحها مصدر عددىّ وهو استثناء من من شرب منه وتقديم الجملة المعطوفة عليه للاهتمام بها (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) الّا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من جملة الثمانين ألفا منهم من اغترف ومنهم من لم يطعمه ومن لم يطعمه استغنى عنه ومن اقتصر على الغرفة كفته لشربه واداوته ومن لم يقتصر غلب عطشه واسوّدت شفته ولم يقدر ان يمضى ، وملكهم كان علم ذلك الابتلاء بالوحي والإلهام أو باخبار نبيّهم ، وكان ذلك صورة الدّنيا تمثّلت لهم لتنبّههم انّ الدّنيا هكذا كان حالها لمن اجتنبها ولمن أرادها (فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) يعنى الّذين لم يشربوا أو اغترفوا غرفة ورأوا كثرة جنود جالوت وقلّة عددهم (قالُوا) اى الّذين اغترفوا (لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) اى يعلمون وقد مرّ انّ العلوم الحصوليّة لمغايرة معلومها لها حكمها حكم