الأنحاء بحيث يكون التّقييد داخلا والقيود خارجة وليست صادرة من تلك الحقيقة مطلقة ؛ والّا لاتّحدت ولا من الحدود لأنّها اعدام والعدم لا حكم له الّا بتبعيّة الوجود فلا منشئيّة له لا للوجودىّ ولا للعدمىّ ولا من المجموع المركّب من تلك الحقيقة والحدود ، لانّ الحدود كما لا تكون منشأ للآثار منفردة لا تكون منشأ منضّمة لانّ اعتبار الانضمام لا يفيدها شيئا لم يكن لها قبل ذلك وما يقال : انّ عدم العلّة علّة لعدم المعلول كلام على سبيل المشاكلة والّا فالعدم ليس معلولا ومجعولا حتّى يحتاج الى علّة وما يتراءى من انّ حدود الآثار وإعدامها المنتزعة منها ناشئة من حدود المؤثّرات وإعدامها المنتزعة منها وقد تفوّه به بعض الفلاسفة خال عن التّحصيل لانّ حدود الآثار من جملة لوازم وجوداتها وليست من حيث هي مجعولة ومن حيث الجهات المنتزعة هي منها فهي مجعولة بمجعوليّة وجود الآثار وبتبعيّتها لا بجعل آخر حتّى تستدعى علّة اخرى ، وإذا عرفت ذلك فاعلم انّ افعال العباد الاختياريّة صادرة عنهم بعد تصوّرها والتّصديق بغاياتها النّافعة لهم ، وبعد الميل والعزم والارادة والقدرة منهم وهذا معنى كون الفعل اختياريّا وامّا كون الاختيار بالاختيار والارادة بالإرادة فليس معتبرا في كون الفعل اختياريّا والفاعل مختارا ، لكن نقول على ما سبق من المقدّمات افعال العباد آثار حقيقة الوجود المحدودة بحدود العباد من غير اعتبار الحدود فيها ، والعباد عبارة عن تلك الحقيقة معتبرا معها تلك الحدود فهي منسوبة الى حقيقة الوجود اوّلا وبالذّات والى العباد ثانيا وبالعرض من غير تعدّد في النّسبة بالذّات انّما التعدّد والتغاير الاعتبارىّ في المنسوب اليه وليست الأفعال مفوّضة الى العباد كما قالته المعتزلة المدعوّة بمجوس هذه الأمّة لانّ التفويض يستدعى استقلالا بالفاعليّة في المفوّض اليه وقد علمت انّ اسم العبد يطلق على حقيقة الوجود باعتبار انضمام حدّ عدميّ إليها غير موجود فضلا عن استقلاله بالوجود والفاعليّة لكن عامّة النّاس وان لم يكونوا مقرّين بالتفويض لسانا قائلون به حالا مشاركون للمعتزلة فعلا فانّ المحجوبين عن الوحدة المبتلين بالكثرة المشاهدين للكثرات المتباينة المتضادّة لا يمكنهم تصوّر مبدء واحد لافعال العباد وآثار غيرهم فلا يدركون الّا استقلال العباد بأفعالهم بل لا يتصوّرون تفويضا ومفوّضا في الأفعال وهذا من عمدة اغلاط الحواسّ والخيال ولكون الخيال مخطئا في إدراكه كان الأولياء الغطام يأمرون العباد بالذّكر اللسانىّ أو القلبىّ المؤدّى الى الفكر المخصوص المخرج عن دار الكثرة والغيبة والخطاء الى دار الوحدة والشّهود والصّواب ، وليس العباد مجبورين في الفعال لانّ الجبر يقتضي جابرا مغايرا للمجبور ومجبورا مستقلّا في الوجود مريدا مختارا مسلوبا عنه الاختيار متحرّكا على حسب ارادة الجابر المخالفة لارادة المجبور وليس هناك جابر مغاير للمجبور ولا مجبور مستقلّ في الوجود ولا في الفعال ولا سلب الارادة المجبور ولا ارادة مستقلّة مغايرة لارادة الجابر فالجبر يقتضي مفاسد التّفويض مع شيء آخر من المفاسد ولذا قيل (مولوى) :
در خرد جبر از قدر رسوا تر است |
|
زانكه جبرى حسّ خود را منكر است |
علاوة على نسبة الاستقلال الى العباد وليس الأفعال بتسخير الله أيضا لما ذكر فانّه لا فرق بين التّسخير والجبر الّا بسلب الارادة وعدمه فانّ المسخّر إرادته باقية تابعة لارادة المسخّر بخلاف المجبور فانّ إرادته تكون مسلوبة وحركته تكون بإرادة الجابر المخالفة لارادة المجبور بل الأمر أدقّ وألطف من الجبر والتّسخير ومعنى الأمر بين الأمرين أنّ نسبة الأفعال الى العباد امر اجلّ وأعظم من ان يكون بطريق التفويض ، وادقّ وأخفى من ان يكون بطريق الجبر والتّسخير ، وأعلى وأسنى من ان يكون بطريق التشريك في الفاعل كما يظنّ ، وأشرف من ان يكون بطريق توسّط العباد بين الفعل والفاعل كتوسّط الآلات بين الأفعال والفاعلين كما يترائى بل الفاعل حقيقة الوجود الظّاهرة بحدود العباد وتوجّه اللّوم والتّعزير والحدّ والأمر والنّهى ان كان ذلك ممّا يعاتب