أو مشاكلا لها ، ولا إكراه في الولاية ، أو المعنى لا إكراه في الدّين بعد تماميّة الحجّة بقبول الرّسالة وتنصيص الرّسول (ص) على صاحب الدّين (قَدْ تَبَيَّنَ) اى تميّز (الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) استيناف في مقام التّعليل أو حال والمعنى لا يكره أحد في الدّين بالنّفى أو لا يكره بالنّهى على ان يكون الاخبار في معنى النّهى لتميّز الرّشد أو حالة تميّز الرّشد من الغىّ وفي الاخبار إشارات الى انّ المراد لا إكراه في ولاية علىّ (ع) (فَمَنْ يَكْفُرْ) عطف على سابقه والفاء للتّرتيب في الاخبار اى فنقول : من يكفر أو جزاء لشرط مقدّر والتّقدير إذا تبيّن الرّشد فمن يكفر (بِالطَّاغُوتِ) فقد توسّل بالرّشد المعلوم له فلا يزول ولا ينفصم توسّله لعلمه التّحقيقىّ الّذى لا زوال له ، والطّاغوت في الأصل طغيوت من الطّغيان فقلب فصار فلعوت والتّاء زائدة لغير التّأنيث فيه وفي نظائره ولذا تكتب بالتّاء وتثبت في الجمع فيقال طواغيت وطواغت وقد تكتب بالهاء مثل جبروة وطاغوة وتسقط من الجمع مثل طواغ وحينئذ تكون للتّأنيث ويجرى على ألفاظها احكام التّأنيث وهذه الهيئة للمبالغة في معنى المصدر سواء جعلت مصدرا مثل رحموت ورهبوت ورغبوت وجبروت أو اسم مصدر ، وسواء استعملت في معنى الحدث أو في معنى الوصف مثل الطّاغوت ، وفسّر الطّاغوت بالشّيطان والكاهن والسّاحر والمارد من الجنّ والانس والصّنم وكلّ ما عبد من دون الله تعالى والحقّ انّ الطّاغوت يشمل النّفس الامّارة الانسانيّة وكلّما يتبعه تلك النّفس من الشّيطان والأصنام والجنّة والكهنة والسّحرة ورؤساء الضّلالة جميعا والآية في شأن ولاية علىّ (ع) والمقصود من قوله تعالى (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) الايمان الخاصّ الّذى لا يحصل الّا بالبيعة على يد علىّ (ع) فانّ الايمان العامّ الّذى يحصل بالبيعة العامّة النّبويّة لا يدخل به شيء في القلب فلا يتوسّل بشيء حتّى يصحّ ان يترتّب عليه قوله تعالى (قَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها) جملة حاليّة أو جواب لسؤال مقدّر.
تحقيق الاستمساك بالعروة الوثقى وبيان العروة الوثقى
اعلم انّ امر الولاية الّتى هي عبارة عن البيعة الخاصّة الولويّة والاتّصال بولىّ الأمر بعقد اليمين اجلّ وارفع من ان يوصف لانّ صورتها وان كانت من الأعمال الجسمانيّة المحسوسة لكنّ الاتّصال الرّوحانىّ الحاصل بها امر غيبىّ لا يدرك بالأبصار ولا يتوهّم بالأمثال ولا يتعقّل بالعقول لأنّه لا حدّ له ولا رسم ولا كيف له ولا كمّ بل هو كما قال المولوىّ قدسسره :
اتّصالى بى تكيّف بى قياس |
|
هست ربّ النّاس را با جان ناس |
وللاشارة الى انّ هذا الاتّصال ليس الّا لمن قبل الولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة قال المولوى :
ليك گفتم ناس من نسناس نى |
|
ناس غير جان جان أشناس نى |
فلا بدّ من التّمثيل والتّشبيه إذا أريد التّنبيه عليه فنقول : انّ الإنسان يزداد في جوهر ذاته من اوّل تولّده وليس استكماله بمحض الازدياد في كيفيّاته كما قيل وكلّما ازداد في ذاته وحصل له فعليّة من فعليّات طريقه المؤدّى الى فعليّات انسانيّته صار اسم الانسانيّة واسم شخصه اسما لتلك الفعليّة وصارت الفعليّات السّابقة فانية ومغلوبة لتلك الفعليّة فاذا بلغ الى مقام عقله الّذى هو مناط التّكليف والتّدبير صار قابلا لتصرّف الشّيطان وتصرّف الملك والرّحمن ولا ينعقد قلبه على شيء منهما بمعنى انّه لا يتمكّن الشّيطان من التصرّف فيه ولا الملك ما لم يرد الولاية فتنعقد فعليّاته بتصرّف الشّيطان أو لم يقبلها فتنعقد فعليّاته بولىّ امره فهو حينئذ كالنّخلة الّتى لا تثمر الّا بالتّأبير وكشجرة الفستق الّذى لا يصير فستقه ذا لبّ الّا بالتلقيح ، أو كاللّبن الّذى لا ينعقد