والأعضاء جندا للجهل أو للعقل الّا لمصالح عديدة ، أو المعنى واعلم انّ الله عزيز حكيم حتّى لا تقول : لم امر بقتل الحيوان وإيذائه؟! (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) جواب لسؤال ناش من السّابق كأنّه قيل : ما لمن قتل الطّير الّتى هي من جنود الجهل سوى إحيائها بحيوة العقل؟ ـ فقال : مثل الّذين يقتلون جنود الجهل في ابتغاء العقل وينفقون (أَمْوالَهُمْ) الحقيقيّة الّتى هي قواهم (فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) اى ما لا حدّ له والتّفاضل في عوض الإنفاق واجره انّما هو بالتّفاوت في حال المنفق ونيّته وشأنه والمال المنفق وحال المنفق عليه ، وفي الخبر إذا أحسن العبد المؤمن عمله ضاعف الله له عمله بكلّ حسنة سبعمائة ضعف ، وذلك قول الله تعالى (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) ، وفي هذا الخبر دلالة على انّ المراد بالأموال في الآية اعمّ من الاعراض الدّنيويّة والقوى والأعضاء البدنيّة حيث اشهد بها على تضعيف أجر الأعمال من الله وليست الأعمال الّا إنفاق القوى البدنيّة والحركات العضويّة والأعضاء البدنيّة وانّ المراد بقوله : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ،) حصر تضعيف الأجر الى سبعمائة في الله لا تكثير الضعف فوق السّبعمائة ولا تقييد التّضعيف بمن يشاء وهو وجه من وجوه الآية (وَاللهُ واسِعٌ) عطف في معنى التّعليل ان كان المراد بقوله (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) تكثير التّضعيف فوق السّبعمائة ، أو المراد به تكثير التّضعيف فوق السّبعمائة ان كان المراد بذلك حصر التّضعيف في الله أو تقييده بمن يشاء (عَلِيمٌ) بانفاقكم وقدر المنفق ونيّة المنفق وحال المنفق عليه فيضاعف بقدر استعدادكم واستحقاقكم ليس فعله وإرادته جزافا من دون نظر الى استحقاقكم فربّ منفق يبطل إنفاقه أو يعذّبه الله عليه ، وربّ منفق يجازيه بالأحسن الى العشرة ، الى السّبعين ، الى السّبعمائة ، الى السّبعة الآلاف ، الى السّبعين ألفا ، الى ما شاء الله ، الى ما لا نهاية له (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : هذا لكلّ من أنفق أو لبعض دون بعض؟ ـ فقال تعالى تفصيلا للمنفقين : الّذين ينفقون (أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا) العطف بثمّ للتّفاوت بين الاخبارين ، والمنّ ان تنظر الى المنفق عليه معتدّا بانفاقك (وَلا أَذىً) وهو ان تتطاول عليه وتستحقره وتستقدمه وتستقبله بكلام خشن وتعدّ إحسانك عليه ، ومن أقبح الخصال الاعتداد بإحسانك الى الغير وبإساءة الغير إليك ونسيان إحسان الغير إليك ونسيان إساءتك الى الغير ، ومن أجمل الخصال كمال الاعتداد بإحسان الغير إليك والتندّم على إساءتك اليه ونسيان إحسانك الى الغير ونسيان إساءته إليك ، والاعتداد بالإحسان يورث الانانيّة المخالفة للإنفاق والوبال للنّفس مع ابطال الإحسان ، وفي الاخبار : انّ المراد المنّ والأذى لمحمّد (ص) وآله (ع) (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) لم يأت بالفاء هاهنا وأتى به في قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ ؛) الآية لانّ المقصود هاهنا بيان بطلان الصّدقة بالمنّ والأذى ولذلك بسط بعدا في الانفاقات الباطلة ولم يكن المقصود ترتّب الأجر على الإنفاق حتّى يأتى بالفاء المؤكّد للتّرتّب بخلاف ما يأتى فانّ المقصود هناك بيان ترتّب الأجر وناسبه الإتيان بمؤكّدات التلازم واضافة الأجر إليهم لتفخيم الأجر وللاشارة الى اختلاف الأجر بحسب اختلاف المنفقين بحيث لا يمكن تحديد حدّ له الّا بالاضافة الى المنفقين (عِنْدَ رَبِّهِمْ) تشريف آخر لهم بانّ امر أجرهم غير موكول الى غيرهم (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قد مضى وجه اختلاف القرينتين في اوّل السّورة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) جواب سؤال