الجنس العامّ الشامل لكلّ فرد ، أو جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال المنفق المرائى في إنفاقه؟ ـ أو لم قلت كمثل صفوان؟ ـ أو كأنّه قيل : ما حال المبطل إنفاقه بالمنّ والمرائى في إنفاقه؟ ـ فقال : لا يقدرون (عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) فلا إشكال حينئذ في جمع الضّمير وهذا يدلّ على انّ المراد بالإنفاق مطلق الأعمال فانّ الكسب اعمّ ممّا يكسب بالإنفاق (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) عطف على لا يقدرون والاهتمام بالله منع من مراعاة التّناسب بين المتعاطفين أو حال والمعنى انّهم بأنفسهم لا يقدرون ولا معين لهم سوى الله والله لا يهديهم ووضع الظّاهر موضع المضمر للتصريح بانّهم كافرون ولتعليل الحكم.
بيان ابتغاء مرضات الله بحيث لا يخلّ بإخلاص العمل
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) لفظة من لابتداء الغاية داخلة على الفاعل مثل زعما منهم وعدم توافق المفعول له والعامل في المسند اليه مغتفر هاهنا لانّه تابع ويغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل ، أو داخلة على المفعول بتضمين التّثبيت معنى الطّلب اى طلبا للثّبات من أنفسهم ، أو من للتّبعيض قائمة مقام المفعول به اى تثبيتا لبعض أنفسهم كأنّ أنفسهم موزّعة على المال والرّوح ومن يجاهد بالمال يثبّت بعض نفسه على الطّاعة أو على الإنفاق ، ومن يجاهد بنفسه يثبّت البعض الآخر. اعلم انّ الإنفاق مثل سائر الطّاعات إذا كان الدّاعى عليه امرا زائدا على شاكلة الإنسان مقصودا انتفاعه به سواء كان قربا من الله أو رضاه أو نعيمه أو الخلاص من جحيمه أو غير ذلك من الدّواعى الرّاجحة والمباحة المأذون فيها والغير المأذون فيها لم يكن طاعة بل معاوضة وايتجارا ، وإذا كان شاكلة الإنسان غير الهيّة كان اعماله غير الهيّة سواء قصد منها أمرا اخرويّا أو غير اخروىّ ؛ أو لم يقصد أمرا سوى شاكلته وكان الدّاعى نفس شاكلته ، وإذا كان شاكلته أمرا الهيّا قربا من الله أو ابتغاء مرضاته أو التذاذا بأمره وامتثاله أو التشأن بحبّه وابتغاء خدمته أو غير ذلك من الشّؤن الإلهيّة وكان تلك الشّاكلة داعية على العمل من غير قصد لأمر زائد وكانت الغاية اشتداد الدّاعى فانّ كلّ هذه بذاتها تقتضي الاشتداد وتقتضي القيام بأمره تعالى كان العمل طاعة وعبادة وخالصا لوجه الله ، فعلى هذا يكون معنى الآية مثل الّذين ينفقون أموالهم لحصول ابتغاء مرضاة الله الّذى هو شاكلتهم ولحصول تثبيت أنفسهم الّذى هو شاكلتهم وتمكينها في شاكلتها يعنى لاقتضاء ابتغاء المرضاة الحاصل لهم أو لتحصيل الابتغاء الّذى هو اشتداد شاكلتهم لكن من غير قصد زائد على اقتضاء الابتغاء الاشتداد ، بل بقصد بسيط حاصل في نفس الاقتضاء الاشتداد فانّه إذا كان الإنفاق لتحصيل اشتداد الابتغاء بقصد مركّب عن شعور تركيبىّ وقصد زائد لحصول امر للنّفس نافع لها لم يكن حاصلا كان المقصود به انتفاع النّفس الّذى يفسد العبادة (كَمَثَلِ جَنَّةٍ) اى كمثل غارس جنّة وقد مضى انّ التّشبيهات المركّبة لا يلزمها ان يكون ترتيب أجزاء المشبّه به مثل أجزاء المشبّه ولا ان يكون التّالى للمثل أو لأداة التّشبيه نفس المشبّه به ، ولا ان يصحّ التّشبيه بين أجزاء الطّرفين (بِرَبْوَةٍ) الرّبوة بتثليث الرّاء ، المكان المرتفع ؛ وقرئ بالتثليث ، شبّه المنفق في زرع القلب بزراعة الآخرة بغارس جنّة واقعة في مكان مرتفع في انّها محفوظة عن الاغبرة الكثيرة الواردة على الأمكنة المنخفضة وعن صدمة السيل وعن ضياع ثمرها باحتباس الهواء ، وفي نضارتها وطراوتها بمجاورة الهواء الصّافى ورطوبة الهواء المرتفع ، وفي تضعيف ثمرها بذلك (أَصابَها وابِلٌ) لا السّيل (فَآتَتْ أُكُلَها) اى ثمرها (ضِعْفَيْنِ) بما ذكر من أسباب حسنها (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) بواسطة