والى ما في البخل وابطال الإنفاق من الوبال والحرمان حتّى لم يهتدوا بسببه الى الإسلام والايمان وقال : فما أصنع حتّى يهتدوا الى ذلك؟ ـ فقال تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) حتّى تتحرّج من عدم هداهم (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) «ف» هو نافع (فَلِأَنْفُسِكُمْ) فما بالكم تمنّون به على غيركم أو تؤذون به من تنفقون عليه أو غيره (وَما تُنْفِقُونَ) اى لا ينبغي لكم ان تنفقوا (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) لكنّه ادّاه بصورة الاخبار عن الإنفاق لوجه الله تهييجا لهم على ذلك (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) اى من مال حلال مكتسب من جهة حلّيّته الّتى هي الولاية فانّها جهة حلّيّة المحلّلات كما سبق وكما يأتى عند قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فانّ خيريّة المال ان يكون مكتسبا من الحلال ، وخيريّة النّفقة ان تكون خالصة لوجه الله كما أشير اليه بقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) يعنى نفقة غير مشوبة بالمنّ والأذى والرّياء وغير مدنّسة بالأغراض النّفسانيّة وان تكون سرّا كما أطلق الخير في السّابق عليه (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) التوفية تكون بأداء تمام ما ينبغي ان يؤدّى (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بنقص فيما يؤدّى إليكم جزاء انفاقكم (لِلْفُقَراءِ) جواب لسؤال تقديره قد علم فضل الإنفاق وكيفيّته فلمن الإنفاق؟ ـ فقال : الإنفاق للفقراء (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) اى حبسهم الله في السّبيل بحيث لا يمكنهم السّير والترقّى أو احصرهم الله بالامراض البدنيّة والشّؤن النّفسانيّة عن المكاسب ، أو أحصرهم الرّسول (ص) أو أنفسهم عن المكاسب ، أو المعنى أحصروا حالكونهم في سبيل الله بالتعلّم والعبادة والتهيّؤ للجهاد ، في الخبر : انّها نزلت في أصحاب الصّفة وقيل : انّ أصحاب الصّفة كانوا نحوا من اربعمائة كانوا في صفّة المسجد لم يكن لهم في المدينة مأوى ولا عشائر ، اشتغلوا بالتعلّم والعبادة وكانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول الله (ص) فحثّ الله النّاس على الإنفاق عليهم وللاهتمام بهم والحثّ عليهم اقتصر في بيان مصارف الصّدقة عليهم (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) للسّلوك الى الآخرة أو للمكاسب (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ) بحالهم أو مطلقا (أَغْنِياءَ مِنَ) أجل (التَّعَفُّفِ) عن السّؤال (تَعْرِفُهُمْ) الخطاب للرّسول (ص) أو عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب (بِسِيماهُمْ) السّومة بالضمّ والسّيمة والسّيما بالقصر والسّيماء بالمدّ والسّيمياء بزيادة الياء والمدّ ، وبالكسر في الاربعة بمعنى العلامة يعنى انّ علامة الفقر عليهم ظاهرة من رثاثة الحال وصفرة الوجه واغبرار اللّون (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) سؤال إلحاح أو مفعول مطلق من غير لفظ الفعل أو حال (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) كرّره لتأكيد الشّرطيّة السّابقة فانّ توفية تمام المنفق تقتضي العلم بتمامه وللاهتمام والتّأكيد في حقّ هؤلاء الفقراء كأنّه قال : وما تنفقوا من خير عليهم (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) فيجازيكم عليه (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ) جواب لسؤال ناش من قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) ؛ تقديره : ما حال من جمع بين السّرّ والعلانية في الإنفاق؟ ـ فقال : الّذين ينفقون (أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهذا من قبيل الفضل في الجواب أو على إمكان منشئيّة السّابق للسّؤال عن الجمع بين السّرّ والعلانية في الإنفاق وعن استغراق الإنفاق لجميع الأوقات (سِرًّا وَعَلانِيَةً) لم يعطفه للاشارة الى عدم مغايرة السّرّ والعلانية لما في اللّيل والنّهار (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) أشار الى تفخيم الأجر بإضافته إليهم كما مضى (عِنْدَ رَبِّهِمْ) اشارة اخرى الى تفخيم الأجر (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في المجمع انّ الآية