أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
قد سبق سرّ الأمر بالاستعاذة عند القراءة وانّ الإنسان لمّا كان واقعا بين تصرّف الشّيطان والرّحمن امر الله العباد بالاستعاذة والخروج من تصرّف الشّيطان والدّخول تحت تصرّف الرّحمن حتّى لا يصير لسانه لسان الشّيطان وكلامه كلام الشّيطان بل يصير لسانه لسان الرّحمن وكلامه كلام الرّحمن ويصدق على متلوّه انّه القرآن فقول القائل ، أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم اخبار أو إنشاء للالتجاء الى الله والفرار من حكومة الشّيطان وتصرّفه والدّخول تحت حكومة الله وتصرّفه ولكون الاستعاذة فرارا من الشّيطان أمرنا بالإخفات في الاستعاذة فانّ الفارّ يختفى بفراره فلو قال القائل أعوذ بالله من الشّيطان ولم يكن حاله الخروج من حكومة الشّيطان والدّخول تحت حكومة الله كان كاذبا في اخباره أو في إنشائه باعتبار الاخبار اللازم للإنشاء وتكون هذه الكلمة ملقاة من الشّيطان عليه وجارية من الشّيطان على لسانه وصار بهذه الكلمة سخرية للشّيطان ومطرودا من باب الرّحمن ، فجاهدوا إخواني وفّقكم الله وايّاى حتّى لا تجري هذه الكلمة على ألسنتكم حين غفلة منكم أو على سبيل العادة والتعليم المأخوذ من الاباء والمعلّمين بل كونوا حين الاستعاذة كمن يفرّ من عدوّ يريد قتله الى من يعلم نجاته منه ولا تكونوا في الاستعاذة كمن يفرّ من العدّو بالإقبال عليه غافلا عن انّه مقبل على عدوّه فيقع على عدّوه ويأخذه من حيث لا يشعر فانّه ليس قوله تعالى (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) امرا بالاستعاذة القولية بل هو امر بالاستعاذة الفعليّة واستحباب الاستعاذة القوليّة لتأييد الاستعاذة الفعليّة والّا فالمطلوب هو الاستعاذة الفعليّة سواء كانت قرينة بالاستعاذة القوليّة أو لم تكن ونعم ما قيل :
اى بسا ناورده استثنا بگفت |
|
جان أو با جان استثناست جفت |
والمقصود من الاستعاذة الفعليّة طلب القرب من الله حتّى يخرج المستعيذ من الأغراض الّتى يلقيها الشّيطان على الإنسان ثمّ من نسبة الأفعال والأقوال الى غير الله ثم من رؤية ذات في الوجود سوى الله وفي كلّ من الأحوال الثلاث له حكم في الاستعاذة وقول غير الحكم والقول الّذى في الاخرى ؛ فانّ الإنسان ما لم يخرج من دار الكثرة ويرى الأفعال مثل المعتزلة من العباد من دون الله حكمه الفرار من الشّيطان وإضلاله وقوله أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم المطرود من كلّ خير ومن بقاع الخير ، وإذا خرج من الكثرة الصرفة ودخل في دار توحيد الأفعال ولا يرى الأفعال الّا من الله ويكون حينئذ رؤيته الأفعال من الله في المظاهر المتكثّرة ويرى الإضلال من الله في مظهر الشّيطان والهداية من الله في مظاهر خلفائه كان حكمه الاستعاذة من إضلال الله في مظهر الشّيطان بهدايته الله من إضلاله وبعفوه من عقابه ، وإذا دخل في دار توحيد الصفات ولا يرى صفة الّا من الله كان حكمه الاستعاذة من صفاته القهريّة الّتى تظهر في مظاهر قهره بالصّفات اللطفية الّتى تظهر في مظاهر لطفه ؛ وقوله أعوذ برضاك من سخطك ، وإذا دخل في دار توحيد الذات ولا يرى ذاتا في الوجود سوى ذاته تعالى وهو مقام الفناء الذاتي كما كان المقامان السابقان مقام الفناء الفعلىّ والوصفىّ كان حكمه الاستعاذة بالله من الله من غير شعور منه بذاته واستعاذة ذاته بل يكون استعاذته بفطرة وجوده وكان قوله أعوذ بالله من الله أو أعوذ بك منك لانّ حكم الغيبة والحضور والخطاب والتكلّم مرتفع هناك فانّ من لا يرى ذاتا في الوجود سوى الله لا يرى فعلا ووصفا سوى الذات فلا يرى قهرا ولطفا ولا حضورا وغيبة من الذات ونعم ما قيل :
خود طواف آنكه أو شه بين بود |
|
فوق قهر ولطف وكفر ودين بود |
وللاشارة الى المراتب الثلاث قال الرسول (ص) في سجوده على ما نسب اليه (ص): أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك. والشّيطان من شطنه إذا شدّه بحبل طويل أو من شطن صاحبه إذا خالفه في قصده ووجهه ، أو من الشطون بمعنى البئر البعيدة القعر ، أو من شاط بمعنى احترق أو غلظ أو هلك.