وامنع لمكر الماكرين (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) نهى محتمل لبناء الفاعل ولبناء المفعول والمعنى لا يضرّ الكاتب ولا الشّهيد بالدّائن ولا بالمديون أو لا يضرّ الدّائن ولا المديون بالكاتب والشّهيد حين الدّعاء للكتابة أو تحمّل الشّهادة أو أدائها بتعطيل وقت الكتاب والشّهود عن معيشتهم من غير جعل وعلى هذا لم يكن الجعالة على الكتابة والشّهادة إذا كانتا ممّا يستحقّا عليهما جعالة حراما ، أو بتعطيل أيديهم عن أشغالهم الّتى يتضرّرون بتركها (وَإِنْ تَفْعَلُوا) المضارّة عوقبتم (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ) في المضارّة أو في جملة أوامره ونواهيه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) أمثال هذه الواو ممّا لا يمكن جعلها واو العطف لعدم ما تعطف عليه في الكلام ؛ أو لعدم ارادة معنى العطف منها ، ولا جعلها بمعنى مع لعدم انتصاب المضارع بعدها جعلوها واو الاستيناف مثل (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ،) ومثل لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن ، على رفع تشرب والمقصود من جعلها للاستيناف انّها ليست من حيث اللّفظ مرتبطة بسابقتها لا انّها من حيث المعنى منقطعة عمّا قبلها فانّ المعنى في مثل لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن على النّهى عن الجمع بين أكل السّمك وشرب اللّبن سواء كان تشرب بالرّفع أو بالنّصب وهذا المعنى لا يستفاد الّا إذا كانت الواو بمعنى مع لكن لم يقدّر بعدها ان إذا كان ما بعدها مرفوعا كما يقدّر في صورة النّصب ومثلها الواو هاهنا فانّ هذه العبارة تفيد ترتّب العلم على التّقوى سواء قيل اتّقوا الله يعلّمكم الله أم ويعلّمكم الله بالنّصب أو بالرّفع فالواو تفيد هاهنا معنى المعيّة الّتى هي نحو معيّة الغاية للمغيّا ، ولمّا لم يكن ما بعدها منصوبا على نحو الواو الّتى بمعنى مع قالوا انّها للاستيناف مثل حتّى الدّاخلة على المضارع المرفوع فانّه يقال انّها للاستيناف مع انّها مربوطة بما قبلها ، ولمّا كان التّقوى بجميع مراتبها إدبارا عن النّفس الّتى هي معدن الجهل وإقبالا على العقل الّذى هو باب العلم كانت مستلزمة للعلم وازدياده كما في قوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) وقوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيعلم منكم المضارّة والتّقوى ؛ ترهيب وترغيب ، قيل في سورة البقرة خمسمائة حكم ، وفي هذه الآية خاصّة خمسة عشر حكما (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ) يعنى حين التّداين (وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) يكتب لكم وثيقة (فَرِهانٌ) فالوثيقة رهان أو يقدّر ما يناسب المقام مثل المأخوذ ومثله وقرئ رهن بضمّتين ورهن بضمّ الرّاء وإسكان العين والجميع جمع الرهن (مَقْبُوضَةٌ) وقد اتّفق الاماميّون على انّ شرط اللّزوم في الرّهن القبض (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) في السّفر أو مطلقا في التّداين بترك الكتابة وترك الرّهان أو في إعطاء الرّهان أو في مطلق الأمانات (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) اى المديون أو مطلق الأمين (أَمانَتَهُ) دينه سمّاه امانة لائتمان الدّائن المديون عليه أو مطلق الامانة (وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) في الخيانة والخديعة (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) خاطب الشّهود (وَمَنْ يَكْتُمْها) من غير داع شرعىّ مبيح لكتمانها (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) وفي نسبة الإثم الى القلب مبالغة في الإثم فانّ الإثم من النّفس يظهر على الأعضاء وامّا القلب المقابل للنّفس فانّه بريء من الإثم ، والقلب بمعنى النّفس وان كان منشأ للاثم لكن لا ينسب الإثم اليه بل الى الشّخص أو الى أعضائه ، وفي نسبته الى القلب إيهام انّ الإثم سرى من أعضائه الى نفسه ، ومنها الى قلبه البريء من الإثم ، وعن النّبىّ (ص) انّه نهى عن كتمان الشّهادة وقال : من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤس الخلائق وهو قول الله عزوجل : ولا تكتموا الشّهادة ومن