يكتمها فانّه آثم قلبه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من أداء الامانة والخيانة فيها وأداء الشّهادة وكتمانها (عَلِيمٌ) وعد ووعيد (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) مستأنف في مقام التّعليل لاحاطة علمه (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) ومنه إبداء الشّهادة ولكن لا اختصاص له بها بل يجرى في كلّ ما في النّفوس من العقائد والنيّات والإرادات بل يجرى بوجه في مكمونات النّفوس الّتى لا شعور لصاحبها بها وإبداء تلك المكمونات بظهورها على صاحبها وشعورهم بها (أَوْ تُخْفُوهُ) ومنه كتمان الشّهادة ويجرى في كلّ خطرة وخيال ونيّة وارادة وشأن بل في المكمونات الّتى لا شعور لصاحبيها بها ممّا بقي في النّفوس قواها واستعداداتها ولم تصر بالفعل بعد حتّى يستشعر بها صاحبوها فانّها بمضمون (أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) و (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) يوم القيامة يظهر جميع المكمونات ولا يعزب عنه تعالى شيء منها (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وما ورد في الاخبار من عدم المؤاخذة على عزم المعاصي أو على الخطرات أو على الوسوسة انّما هو بحسب المؤاخذة الدّنيويّة والعقوبات الاخرويّة ولا ينافي ذلك المحاسبة وعدم ارتفاع الدّرجة ، وما ورد في جواب من ذكر الخطرات من عدم استواء ريح الطيّب وريح المنتن يدلّ على انّ فيها محاسبة ما ، وعن رسول الله (ص): وضع عن أمّتي تسع خصال : الخطاء ، والنّسيان ، وما لا يعلمون ، وما يطيقون ، وما اضطرّوا اليه ، وما استكرهوا عليه ، والطّيرة ، والوسوسة في التفكّر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) قرئ بالرّفع وبالجزم مع الفاء وبدونه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آمَنَ الرَّسُولُ) ابتداء كلام بل ابتداء آية منقطعة عمّا قبلها كما سيجيء (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) وهذا تبجيل وتنصيص من الله على محمّد (ص) بإيمانه (وَالْمُؤْمِنُونَ) عطف على الرّسول أو ابتداء كلام كما سيجيء (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ) من المقرّبين والصّافّات صفا والمدبّرات امرا واولى الاجنحة والرّكّع والسّجّد ارضيّين كانوا أم سماويّين (وَكُتُبِهِ) من الكتاب المبين والكتاب المبين والكتاب المحفوظ وكتاب المحو والإثبات العلمىّ والعينىّ (وَرُسُلِهِ) من الملائكة ومن البشر في الكبير والصّغير (لا نُفَرِّقُ) اى قائلين وقرئ لا يفرّق بالياء حملا على لفظ كلّ ولا يفرقّون حملا على معناه (بَيْنَ أَحَدٍ) اضافة بين الى أحد امّا لعمومه لوقوعه في سياق النّفى أو لتقدير غيره معه اى بين أحد وغيره (مِنْ رُسُلِهِ) والمقصود عدم التّفريق في التّصديق لا في التّفصيل (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ) اغفر أو نطلب غفرانك (رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) إظهار لإقرارهم بالمعاد بعد إظهار إقرارهم بالمبدأ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) بشيء من تكاليف المعاد والمعاش والجملة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل يخرجون من عهدة التّكليف بعد ما قالوا سمعنا وأطعنا؟ ـ فقال : لا يكلف الله نفسا (إِلَّا وُسْعَها) حتّى لا يخرجوا من عهدته ويجوز ان تكون الجملة حالا مفيدة لهذا المعنى والمراد بالوسع ما يسعه قدرتهم وتفضل هي عنه (لَها ما كَسَبَتْ) حال أو جواب لسؤال مقدّر (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) يعنى انّ نفع حسناتها عائدة إليها لا الى غيرها وكذا ضرّ سيّئاتها ، وكسب المال بمعنى اصابه من غير اعتبار تعمّل في تحصيله بخلاف اكتسب فانّ المعتبر فيه التعمّل والاجتهاد واستعمال الكسب في الطّاعات والمعاصي للاشارة الى انّ الحركات الصّادرة من الإنسان بوفاق الأمر الإلهيّ وبخلافه مورثة لحصول شؤن نورانيّة أو ظلمانيّة للنّفس