هي كالاموال الحاصلة بالحركات المعاشيّة واستعمال الكسب في جانب الخير للاشعار بانّ الإنسان لمّا كانت فطرته فطرة الخير كان كلّما يحصل له من طريق الخير يبقى للنّفس والنّفس إذا خليّت وطبعها لا تتعمّل في كسب الخير بخلاف الشّرّ فانّه إذا لم يتعمّل الإنسان في تحصيله لم يبق اثره لنفسه وانّ النّفس إذا خليّت وطبعها لا تحصل الشّرّ الّا بالتعمّل (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا) جزء مقول المؤمنين وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ ؛) كانت معترضة (إِنْ نَسِينا) شيئا من المأمور بها (أَوْ أَخْطَأْنا) في شيء من المنهيّات ، والخطاء كالنّسيان يكون في الفعل الّذى لم يكن الفاعل على عزيمة فيه (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) الإصر بالكسر العهد والذنب والثقل وقد يضمّ ويفتح في الكلّ والمراد به هنا الثّقل أو الحمل الثّقيل وحمل الإصر من الله عبارة عن التّكاليف الشاقّة الّتى كانت في الأمم السّالفة كما سيأتى وعن الواردات الّتى كان تحمّلها شاقّا مثل الواردات الّتى كانت في بنى إسرائيل على ما روى انّ القبطي كانوا يقيّدونهم بالاغلال ثمّ يكلّفونهم نقل الطّين واللّبن على السّلاليم ، وعن الواردات النّفسانيّة الّتى كان تحمّلها شاقّا قبل الإسلام والايمان من مهيّجات الغضب والشّهوة ومن المصائب الواردة (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) من الأمم السّالفة والجنود النّفسانيّة (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) من التّكاليف والبلايا الّتى هي فوق الطّاقة ، ووجه استعمال التّحميل الدّالّ على المبالغة هاهنا والحمل الدّالّ على مطلق الحمل هناك يستفاد من مفعولهما (وَاعْفُ عَنَّا) عفى عنه ذنبه ترك العقوبة عليه أو طهّر القلب من الحقد عليه ، وقد يستعمل العفو في المحو والإمحاء (وَاغْفِرْ لَنا) واستر ذنوبنا عن خلقك أو عن أنفسنا لانتفاعنا (وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا) تعليل واستعطاف (فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) من الشّياطين الانسيّة والجنّية في خارج وجودنا أو داخله فانّه حقيق على المولى ان ينصر مواليه على أعدائه. وفي الاخبار انّ هذه الآية مشافهة الله لنبيّه (ص) حين أسرى به الى السّماء فأوحى الى عبده ما اوحى فكان فيما اوحى اليه هذه الآية : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم (ع) الى ان بعث الله تبارك اسمه محمّد (ص) وعرضت على الأمم فأبوا ان يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله (ص) وعرضها على أمّته فقبلوها فلمّا رأى الله عزوجل منهم القبول على انّهم لا يطيقونها فلمّا ان سار الى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه فقال (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ) فأجاب مجيبا عنه وعن أمّته فقال : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، فقال جلّ ذكره لهم الجنّة والمغفرة على ان فعلوا ذلك ، فقال النّبىّ (ص) امّا إذا فعلت ذلك بنا فغفر انك ربّنا وإليك المصير يعنى المرجع في الآخرة ، قال فأجابه الله عزوجل وقد فعلت ذلك بك وبامّتك ، ثمّ قال عزوجل امّا إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا ان يقبلوها وقبلها أمّتك فحقّ علىّ ان ارفعها عن أمّتك ، وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من شرّ فقال النّبىّ (ص) لمّا سمع ذلك امّا إذا فعلت ذلك بى وبأمّتى فزدني ، قال : سل ، قال : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) قال الله تعالى : لست أؤاخذ أمّتك بالنّسيان والخطاء لكرامة منك علىّ ، وكانت الأمم السّالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب وقد رفعت ذلك عن أمّتك ، وكانت الأمم السّالفة إذا أخطئوا أخذوا بالخطاء وعوقبوا عليه ؛ وقد رفعت ذلك عن أمّتك لكرامتك علىّ فقال النّبىّ (ص) :