المحلّ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) حال أو مستأنف في موضع التّعليل (الْعَزِيزُ) الّذى لا يمنعه مانع عن تصوير ما يشاء في الرّحم (الْحَكِيمُ) الّذى لا يصوّره الّا بصورة اقتضاها استعداده وتستعقب مصالح عائدة إليها أو الى العالم (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) حال أو مستأنف وبيان لحكمته ، والكتاب هاهنا عبارة عن جملة ما سوى الله فانّ ما سواه كتابه كما مضى في اوّل الكتاب ، ونزوله عبارة عن ظهوره على مقام محمّد (ص) مقامه النّازل بصور مناسبة له في ذلك المقام ، أو ظهوره على مقام رسالته (ص) بما أرسل به من الأحكام ، أو ظهوره بالألفاظ والعبارات والنّقوش والكتابات الّتى هي كتابه التّدوينىّ منه.
بيان المحكم والمتشابه
(مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) احكم الأمر والبناء أتقنه بحيث لا يتطرّق الانثلام والزّوال اليه ، واحكم الحكم أتقنه بحيث لا يتطرّق المحو والنّسخ اليه ، واحكم اللّفظ أتقنه بحيث لا يتطرّق الاحتمال اليه ، والمتشابه في كلّ من هذه مقابل المحكم وكلّما ورد من المعصومين (ع) ونقل من غيرهم في بيان المحكم والمتشابه راجع الى هذه المعاني ، والكتاب التّكوينىّ الكبير آياته العقلانيّة والنّفسانيّة من حيث وجوهها العقلانيّة محكماتها وأصول متشابهاتها وآياته العينيّة الطّبيعيّة والعلميّة الملكوتيّة العالية والسّافلة من حيث تطرّق المحو والزّوال إليها متشابهاتها ، والكتاب التّكوينىّ الانسانىّ المختصر من الكتاب الكبير ؛ آياته الرّوحيّة والعقليّة محكماته ، وآياته النّفسيّة والطّبيعيّة متشابهاته ، ومن حيث نشأته العلميّة علومه العقلانيّة محكماته لعدم تطرّق الزّوال إليها وعدم تخلّف معلوماتها عنها ؛ لانّ معلوماتها من حيث انموذجاتها نفس تلك العلوم وعلومه النّفسانيّة كلّيّاتها وجزئيّاتها تصديقاتها وتصوّراتها يقينيّاتها وظنيّاتها متشابهاته لانمحائها عن النّفس ومغايرتها لمعلوماتها وجواز تخلّف معلوماتها عنها ولذلك سمّيت بالظّنون ، ومن حيث أفعاله الاراديّة جميع أفعاله وأقواله وخطراته ولمّاته متشابهاته لزوالها وعدم بقائها ، ومن جهة اخرى ما كان صدورها عن الله تعالى ورجوعها اليه تعالى معلوما محكماته ، وما كان صدورها من الله غير معلوم أو صدورها من الشّيطان معلوما متشابهاته ، وهكذا حال ما كان رجوعه الى الله معلوما ؛ وحال ما لم يكن رجوعه الى الله معلوما ، ومن الأحكام التّكليفيّة ما لم يتطرّق النّسخ اليه كان محكما ، وما كان منسوخا أو يتطرّق النّسخ اليه كان متشابها ، وما كان عامّا جاريا على كلّ مكلّف كان محكما ، وما كان خاصّا غير جار على كلّ مكلّف كان متشابها ، ومن الكتاب التّدوينىّ ما كان واضح الدّلالة غير محتمل غير مدلوله أو ما كان ناسخا أو ما كان حكمه عامّا أو ما كان ثابتا غير منسوخ أو ما كان متعيّن التّأويل بعد تعيّن تنزيله كان محكما ، وما كان خلاف ذلك كان متشابها ، ولمّا كان علىّ (ع) بجميع اجزائه محكوما بحكم الرّوح وراجعا الى الله ومتحقّقا بالأرواح العالية ومخالفوه بعكس ذلك صحّ تفسير المحكمات بعلىّ (ع) والائمّة (ع) ، وتفسير المتشابهات بمخالفيهم كما ورد عن ابى عبد الله (ع) في قوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ،) ولمّا كان المحكمات أصلا وعمادا للكتاب قال : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ولم يقل أمّهات الكتاب مع انّ قياس الحمل على الآيات يقتضي الجمع لانّه تعالى فرض المجموع المسمّى بالكتاب امرا وحدانيّا وهذا الفرض يقتضي الوحدة فيما ينسب اليه لا الجمعيّة ، ولانّ مجموع المحكمات من حيث الاجتماع يكون أصلا واحدا للكتاب وليس كلّ واحد منها أصلا برأسه (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) ميل عن الحقّ وانحراف عن جهة القلب والآخرة (فَيَتَّبِعُونَ) من العالم الكبير متشابهاته الّتى هي موجودات دار الدّنيا وزينتها الزّائلة الفانية بسرعة ، والّتى هي موجودات الملكوت السّفلى