الكسب أو جمع المال أو الزّرع (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حالها؟ ـ ومتى يكون التّمتّع بها؟ ـ وما لمن تركها؟ ـ (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) لمن تركها (قُلْ) يا محمّد (ص) للتّرغيب عنها والتّحريص فيما عند الله (أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ) للّذين اتّقوا خبر مقدّم والجملة بيان للخير مع الزّيادة ولذا لم يأت بأداة الوصل أو هو مثل سابقه متعلّق بخير و (جَنَّاتٌ) مرتفع خبرا لمبتدء محذوف (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) اى من تحت عماراتها أو من تحت أشجارها أو من تحت طبقاتها فانّ الجنّة إذا كانت ذات طبقات ويجرى تحت كلّ طبقة نهر كانت أحسن منظرا (خالِدِينَ فِيها) فانّ تمام النّعمة بان لا تزول (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) ممّا يستقذر من النّساء من الاحداث والاخباث وكثافات الاخلاط وممّا يستكره من رذائل الأخلاق (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) الرّضوان بالكسر والضّمّ مصدر ورضوان الله آخر مقامات النّعم لا نعمة فوقه وهو يستلزم رضى العبد عن الله ، وفي تقدّم رضا الله عن العبد على رضا العبد عن الله أو تأخرّه مثل سائر صفات الله الظّاهرة في العباد إشكال وقد تقدّم في اوّل سورة البقرة في بيان توابيّته تعالى بيان لذلك وقد أشار تعالى الى مراتب النّعم ؛ أوليها أصناف متاع الحيوة الدّنيا ، وثانيتها الجنّات الصوريّة ، وثالثتها الأزواج المطهّرة ، ورابعتها رضوان الله وليس فوقه مقام (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فيبصر مقام كلّ ودرجات شقاوته أو سعادته فيجزى كلّا بحسبها (الَّذِينَ يَقُولُونَ) بلسان حالهم أو لسان قالهم فانّ المتّقى لتعلّقه بالله بسبب قبوله الولاية يضطرّ الى قول ربّنا حالا وقالا ولذلك جعله بيانا للّذين اتّقوا ، ويجوز ان يكون مقطوعا بالرّفع أو النّصب للمدح فعلى هذا كان شأن الّذين اتّقوا ان يقولوا (رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا) كأنّ مقصودهم من إظهار الايمان عرض حالهم عليه تعالى لا المنّة بايمانهم فانّ عرض الحال من العباد مرغوب كما انّ المنّة بالأعمال مكروهة وتمهيد لسؤال المغفرة والحفظ من النّار (فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) فانّ ظهور الذّنوب علينا شين لنا وشين لصاحبنا (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) لانّ ايلامنا إيلام صاحبنا (الصَّابِرِينَ) وصف آخر للمتّقين (وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) توسيط العاطف بين الأوصاف لتعدّد مباديها ، وللاشارة الى استقلال كلّ وانفراده بالمدح أو الذّمّ أو غير ذلك من الأغراض ، والصّبر أقدم صفات الايمان ولذا ورد انّه من الايمان كالرّأس من الجسد ، وبه يحصل الصّدق الّذى هو الاستقامة في الأقوال والأفعال والأحوال ، وبالاستقامة المذكورة يتمّ الطّاعة الّتى هي القنوت وبتمام الطّاعة يسهل الإنفاق الّذى هو بذل فعليّات النّفس ، وبه يحصل القرب من يوم الدّين والدّخول في سحر يوم الدّين وستر مساوي ليل الطّبع ، ولمّا كان التّكليف مطابقا للتّكوين والظّاهر عنوانا للباطن كلّف الله العباد بالاستغفار اللّسانىّ في اسحار ليالي الطّبع منفردا أو في مطلق الصّلوة أو في صلوة الوتر.
كيفيّة شهادة الله بانّه لا اله الّا هو
(شَهِدَ اللهُ) كلام منقطع عمّا قبله والشّهادة حفظ القضيّة المشهودة أو ما في حكمها أو الاخبار بها واخبار الله بالتّوحيد لجملة الأشياء عبارة عن خلقها مفطورة على التّوحّد واقتضاء التّوحّد مع ما يجاورها وهذا اخبار من الله لها عن توحّد صانعها ووحدته واحديّته واخباره تعالى بالتّوحيد لذوي العقول في مقام العلم بخلق الآيات الآفاقيّة وجعلها بحيث يدركها العقول الصّافية دالّة على وحدة خالقها وخصوصا الآيات الكبرى الدّالّة بألسنة أقوالهم وأحوالهم على التّوحيد المشار اليه