وجعل بابه في وسطه لا يرقى إليها الّا بسلّم مثل باب الكعبة ولا يصعد إليها غيره وكان يأتيها بطعامها وشرابها ودهنها كلّ يوم (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) اى بيتها سمّى محرابا لكونه معبدها ومحلّ محاربتها للشّيطان (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) فاكهة في غير حينها غضّا طريّا والجملة جواب كلّما (قالَ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : ما قال لها كلّما وجد عندها رزقا؟ ـ فقال تعالى : قال (يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) كيف لك أو من اىّ مكان لك هذا الرّزق وهو للتعجّب (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) استيناف في مقام التّعليل (هُنالِكَ) في ذلك المكان أو في ذلك الزّمان (دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) يعنى بعد ما شاهد من مريم ما شاهد من إكرام الله لها حنّ الى ولد كريم على الله مثلها فدعا ربّه (قالَ رَبِّ هَبْ لِي) لانتفاعى (مِنْ لَدُنْكَ) لا من لدن غيرك من الملائكة أو الشّياطين حتّى يكون عوده الى حضرتك (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) اى مجيبه فانّ السّماع في أمثال المقام يستعمل في الاجابة والجملة مستأنفة لبيان علّة الدّعاء أو لبيان حاله تعالى في مقام الدّعاء «ف» أجاب الله تعالى دعاءه و (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) في مصلّاه (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) هذا اجابة منه تعالى لدعائه (ع) فانّ التصديق بكلمة الله دليل الطيبوبة والمراد بكلمة الله هو المسيح فانّه لفنائه في نفسه وبقائه بربّه صار كالكلمة الغير القارةّ الغير المستقلّة بنفسها القائمة بالمتكلّم (وَسَيِّداً) للخلق في الشّرف ولقومه في الطّاعة (وَحَصُوراً) مبالغا في منع النّفس عن الّشهوات ولذلك فسّر بمن لا يأتيه النّساء (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) واتّصافه بالأوصاف الثّلاثة من الفضل في الاجابة (قالَ) قد مضى مكرّرا انّ أمثال هذا جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما قال بعد البشارة من الله بالولد؟ ـ قال قال (رَبِّ أَنَّى) كيف (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) والكبير لا يصلح نطفته لانعقاد الولد كان الظّاهر ان يقول وقد بلغت الكبر لكنّه نسب البلوغ الى الكبر للاشعار بانّ الهرم كالطّالب الآتي الى الإنسان (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) ما كان يصلح رحمها لانعقاد الولد قبل الكبر فكيف بعد الكبر وهذا تعجّب واستبعاد منه للولد بحسب الأسباب الطبيعيّة ولذلك أتى بعده بانقطاع الأسباب الطبيعيّة وتبجّح منه بإفضال الله وإكرامه مع عدم الأسباب لا انّه انكار منه لفعل الله بدون الأسباب حتّى يكون مخالفا لمقام الأنبياء (ع) قيل كان زكريّا يوم بشّر بالولد ابن عشرين ومائة وكانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة (قالَ) الله أو الملك المنادي (كَذلِكَ) خبر مبتدء محذوف اى الأمر كما بشرّت به أو متعلّق بيفعل يعنى مثل إعطاء الولد من غير وجود الأسباب الطبيعيّة (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) كانت أسبابه موجودة أو لم تكن ، وقيل : كان استفهامه على سبيل التعرّف أيعطيهما الولد على حال الشّيخوخة أم يجعلهما شابّين ثمّ يعطيهما ، وقيل : يحتمل ان يكون اشتبه الأمر عليه أيعطيه من امرأته العجوز العاقر أم من امرأة أخرى شابّة صالحة للولد ، وقيل : انّما سأل ذلك ليعرف انّ البشارة كانت حقّة وكانت من الملك أم كانت من الشّيطان ولذلك (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) وقيل انّما قال ذلك ليتعرّف بها وقت الحمل ليزيد في العبادة والشّكر أو ليتعجّل السّرور به (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) لا تقدر على التكلّم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) استثناء مفرّغ منقطع اى لكن ترمز إليهم رمزا ، أو المراد بالتكلّم الافهام والاستثناء متّصل والمعنى آيتك ان لا تفهم النّاس