ما في ضميرك نحوا من الافهام الّا إفهام رمزا وفي حال من الأحوال الّا رامزا أو رامزين وانّما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصّة دون ذكر الله ليخلص في تلك المدّة لشكره وذكره قضاء لحقّ النّعمة ، وهذا دليل على انّ طلب الآية كان لمعرفة وقت الحمل طلبا لازدياد الشّكر والذّكر.
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) يعنى في تلك الايّام عرّفه انّ حبس لسانه عن الكلام بغير ذكر الله لا عن ذكر الله ليكثر ذكر الله في تلك المدّة (وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِ) قيل من الزّوال الى الغروب ، وقيل من العصر الى ذهاب صدر اللّيل وهذا هو المتبادر ، وقيل : من الغروب الى ذهاب صدر اللّيل (وَالْإِبْكارِ) من طلوع الفجر الى الضّحى والتّسبيح بمعنى التّنزيه والتّطهير لكنّه إذا نسب الى الله يراد به تنزيهه من النّقائص مع عدم اعتبار تنزّهه عن النّسب والإضافات ، أو مع اعتبار النّسب والإضافات الى الكثرات كما سبق تحقيقه وتحقيق الفرق بينه وبين التّقديس في اوّل سورة البقرة عند قوله و (نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
تحقيق تسبيح الرّبّ وتسبيح اسم الرّبّ
اعلم انّ في كلّ فرد من افراد بنى آدم بل في كلّ جزء من أجزاء العالم لطيفة إلهيّة هي تربيّه وتحرّكه الى كمالاته الثّانويّة وتخرجه من القوى والاستعدادات المودعة فيه الى فعليّاته ، وتلك اللّطيفة بوجه ربّه وبوجه اسم ربّه وقول الشّاعر :
دل هر ذرّه را كه بشكافى |
|
آفتابيش در ميان بيني |
وقول الآخر :
يكى ميل است با هر ذرّه رقّاص |
|
كشاند ذرّه را تا مقصد خاصّ |
رساند گلشنى را تا بگلشن |
|
دواند گلخنى را تا بگلخن |
اشارة الى هذه اللّطيفة وهذه محتجبة تحت اعدام الطّبع ورذائل النّفس ، وتنزيهها عبارة عن تطهيرها عن الاعدام والنّقائص والرّذائل ولا يمكن ذلك الّا بكثرة الذّكر المأخوذ ممّن كان مجازا من الله بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط ، ولذا أمر به بعد الأمر بالّذكر الكثير وكلّما ذكر تسبيح مطلقا أو مقيّدا باسم الرّبّ أو بالرّبّ أو بالله واقعا عليها بنفسه أو متعلّقا بها باللّام أو بالباء فالمراد تنزيه تلك اللّطيفة لانّها اسم للرّبّ وربّ ونازلة من الله والمراد بالعشىّ والأبكار امّا تمام الأوقات فانّه قد يراد بذكر طرفي النّهار استغراق جميع الأوقات في العرف ، أو خصوص طرفي النّهار فانّهما وقت نشاط النّفس واشتداد شوقها الى أصلها بخلاف جوف اللّيل ووسط النّهار فانّهما وقت كلال النّفس وفتور القوى ولا تقربوا الصلوة وأنتم كسالى (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) عطف على قوله (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) أو مستأنف بتقدير اذكر أو ذكّر إذ قالت الملائكة لمريم شفاها سواء كانت رأتهم أم لم تر أشخاصهم لانّها كانت محدّثة والمحدّث قد يرى وقد لا يرى كما سبق الاشارة اليه عند قوله (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)(يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) من ذرّيّة الأنبياء (وَطَهَّرَكِ) من السّفاح (وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) اى عالمي زمانك لولادة عيسى (ع) وهذا مضمون ما في الخبر وقيل فيه أشياء أخر ، ولعلّ المراد بالاصطفاء الاوّل اصطفاؤها بالنّظر الى نفسها واستعدادها واستحقاقها وبالاصطفاء الثّانى اصطفاؤها بالنّسبة الى نساء عالمها ولذا جاء بالتّطهير بينهما يعنى يا مريم انّ الله نظر إليك ووجدك أهلا لخدمته وقربه فاصطفاك لخدمته وطهرّك من نقائص الكثرات وقرّبك اليه وافناك ممّا ينبغي ان يفنى عنه ثمّ أبقاك ببقائه وأحياك بحيوته وأحياك بما يحيى الباقون بعد الفناء حتّى تفضّلت على نساء العالمين فاصطفاك عليهنّ (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي) أطيعي أو أديمي