الْحَوارِيُّونَ) سمّوا به لأنّهم كانوا قصّارين يبيّضون الثّياب روى انّهم اتّبعوا عيسى (ع) وكانوا اثنى عشر وكانوا إذا جاعوا قالوا : يا روح الله جعنا فيضرب بيده على الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرج لكلّ إنسان منهم رغيفين يأكلهما ، وإذا عطشوا قالوا : يا روح الله عطشنا فيضرب بيده على الأرض سهلا كان أو جبلا فيخرح ماء فيشربون ؛ قالوا : يا روح الله من أفضل منّا إذا شئنا أطعمتنا ، وإذا شئنا سقيتنا ، وقد آمنّا بك واتّبعنا قال : أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه ، فصاروا يغسلون الثّياب بالكرى أو لانّهم كانوا مبيّضى الثّياب ، أو لانّهم كانوا أنصارا له فانّ الحوارىّ يطلق على الناصر وعلى ناصر الأنبياء ، أو لانّهم كانوا مبيّضى القلوب مخلصين في أنفسهم ومخلصين غيرهم من دنس الذّنوب وأصله الحوار اتّصل به الياء المشدّدة للمبالغة وكأنّه لم يستعمل في هذه المعاني بدون الياء (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) كان اقتضاء التّوافق في الجواب ان يقولوا : نحن أنصارك الى الله لكنّهم عدلوا الى هذا للاشعار بانّ نصرته نصرة الله من غير فرق (آمَنَّا بِاللهِ) استيناف بيانىّ في مقام التعّليل أو لبيان حالهم (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) منقادون مطيعون ، أو المراد بالايمان الإذعان وبالإسلام البيعة العامّة ، أو المراد بالايمان والإسلام كليهما البيعة العامّة النبويّة وقبول دعوة الظّاهرة ثمّ صرفوا الخطاب عن عيسى (ع) وخاطبوا الله بقولهم (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) على عيسى (ع) أو بجملة ما أنزلت (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) يعنى عيسى (ع) (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) بوحدانيّتك ورسالة رسولك أو مع محمّد (ص) وأمّته فانّهم الشّهداء على النّاس بقوله تعالى ، (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(وَمَكَرُوا) اى اليهود الّذين احسّ عيسى (ع) منهم الكفر مكروا لقتله بما سيجيء والمكر إخفاء المقصود وإظهار غيره للعجز عن إمضاء المقصود جهارا وبهذا المعنى لا يجوز إطلاقه على الله الّا من باب المشاكلة (وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) من حيث المكر لكون الإخفاء والإعلان بيده وفي حكمه بخلاف غيره من الماكرين ، أو لكون المكر منه عدلا ومن غيره ظلما ، أو لكون مكره واستدراجه ماضيا لا محالة دون غيره.
تفصيل حال عيسى واخذه وصلبه
نقل انّ عيسى (ع) بعد إخراج قومه ايّاه من بين أظهرهم عاد إليهم مع الحواريّين وصاح فيهم بالدّعوة فهمّوا بقتله وتواطؤوا على القتل فذلك مكرهم به ، ومكر الله بهم القاؤه شبهه على صاحبه الّذى أراد قتل عيسى (ع) حتّى قتل وصلب ورفع عيسى (ع) الى السّماء وقيل : لمّا أراد ملك بنى إسرائيل قتل عيسى (ع) دخل خوخته وفيها كوّة فرفعه جبرئيل من الكوّة الى السّماء وقال الملك لرجل منهم خبيث : ادخل عليه فاقتله فدخل الخوخة فألقى الله عليه شبه عيسى (ع) فخرج الى أصحابه يخبرهم انّه ليس في البيت فقتلوه وصلبوه وظنّوا انّه عيسى (ع) وقيل اسرّوه ونصبوا له خشبة ليصلبوه فأظلمت الأرض وأرسل الله الملائكة فحالوا بينه وبينهم فأخذوا رجلا يقال له يهودا وهو الّذى دلّهم على المسيح وذلك انّ عيسى (ع) جمع الحوارييّن تلك اللّيلة وأوصاهم ثمّ قال : ليكفرنّ بى أحدكم قبل ان يصيح الدّيك بدراهم يسيرة ؛ فخرجوا وتفرّقوا ، وكانت اليهود تطلبه فأتى أحد الحواريّين إليهم فقال : ما تجعلون لي ان ادلّكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلّهم عليه فالقى الله عليه شبه عيسى (ع) لمّا دخل البيت ورفع عيسى (ع) فأخذ فقال : انا الّذى دللتكم عليه فلم يلتفتوا الى قوله وصلبوه وهم يظنّون انّه عيسى (ع) فلمّا صلب شبه عيسى (ع) وأتى على ذلك سبعة ايّام قال الله عزوجل لعيسى (ع) : اهبط على مريم لتجمع لك الحواريّين فهبط واشتعل الجبل نورا فجمعت له الحواريّين فبثّهم في الأرض دعاة ثمّ رفعه الله سبحانه وتلك اللّيلة هي اللّيلة الّتى