للاشارة الى انّها واقعة منه من حين التكلّم وعلى هذا يجوز ان يكون (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلّقا بالجميع على سبيل التّنازع لا بجاعل الّذين اتّبعوك فقط (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) الخطاب لعيسى (ع) وتابعيه ومكذّبيه (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ثمّ بيّن الحكم بينهم بقوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا) كون هذه الجملة تفصيلا لقوله تعالى (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) وترتّب قوله (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) على قوله تعالى (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) وتعقيبه لقوله تعالى (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يدلّ على انّ الرّجوع الى الله بعد إتمام جعلهم فوق الكفّار بالوصول الى يوم القيامة والتّعذيب في الدّنيا يكون بعد رجوعهم الى الله وهو يدلّ على انّ الرّجوع الى الله يجوز ان يقع حين كونهم في الحيوة الدّنيا كما عليه محقّقوا العلماء والعرفاء يعنى إذا تمّ فوقيّة المؤمنين على الكفّار بوصولهم الى يوم القيامة حالكونهم في الحيوة الدّنيا انقلب أبصارهم ورأوا رجوع الكلّ الى الله وانّه في المحاكمة بينهم بتعذيب الكفّار في الدّنيا برذائل النّفوس ووارداتها ومخوفاتها بحيث يحسبون كلّ صيحة عليهم وبالواردات الغير الملائمة من القتل والأسر والنّهب وغير ذلك (وَالْآخِرَةِ) بأنواع عذاب الجحيم أو في الدّنيا بالواردات الغير الملائمة البدنيّة وفي الآخرة بالأوصاف والواردات الغير الملائمة النّفسانيّة (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) لا في الدّنيا ولا في الآخرة (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) في الدّنيا والآخرة بقرينة المقابلة (وَاللهُ لا يُحِبُ) اى يبغض كما مرّ مرارا (الظَّالِمِينَ) أبدل الظّالمين من الكافرين للاشعار بذمّ آخر لهم (ذلِكَ) المذكور من قوله (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) الى قوله (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) وأتى باسم الاشارة البعيدة مقدّما للاشعار بتعظيمه (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ) من بيانيّة والمراد بالآيات الآيات التّدوينيّة أو الآيات العظام من الأنبياء المذكورين وامّ مريم ومريم وزكريّا ويحيى (ع) وعيسى (ع) وأبناؤهم المذكورة (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) تعبير عن الآيات بوصف آخر فانّها كلّها ذكر لله لأنفسها ولغيرها بحيث لا يتطرّق النّسيان والغفلة ولا الابطال والإفساد إليها ، أو من في قوله من الآيات ابتدائيّة اى نأخذها من الآيات العظام الّتى هي الذّكر الحكيم والكتاب المبين واللّوح المحفوظ والقلم الأعلى ولمّا كان خلق عيسى (ع) بلا أب محلّا للشّكّ والإنكار وموهما للريبة والبهتان كما وقع ذلك لليهود والنّصارى فقال بعضهم انّه من السّفاح وبعضهم انّه من يوسف النّجّار الّذى كانت مريم (ع) في خطبته كما كان موهما للغلوّ والآلهة حتّى قالوا : انّه آله وكان مورثا للسّؤال عن حاله هل له مثال ردّ الله تعالى هذا الوهم وأجاب عن هذا السّؤال فقال : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) فلا غروفى خلقه بلا أب لانّ آدم (ع) خلق بلا أب وامّ وهم يقرّون به مع انّه اغرب (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) مستأنف جواب لسؤال مقدّر أو حال بتقدير قد وبيان لوجه الشّبه يعنى خلق عيسى (ع) من الرّيح مثل خلق آدم من التّراب ، ونكّر التّراب للاشعار بأنّه كان ترابا خاصّا لا يمكن تعريفه (ثُمَّ قالَ لَهُ) اى لآدم والإتيان بثمّ للتفاوت بين الاخبارين فانّ التّفصيل مرتبة بعد الإجمال أو المعنى قدّر خلقه من تراب ثمّ قال له (كُنْ) أو صوّر صورته من تراب ثمّ قال له كن بشرا تامّا (فَيَكُونُ) وقد مرّ هذه الكلمة وبيانها عند قوله (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) من سورة البقرة (الْحَقُ) اى هذا المذكور من خلق عيسى (ع) بلا أب وعدم كونه من سفاح ، أو من