أب وكونه مخلوقا لله لا إلها هو الحقّ (مِنْ رَبِّكَ) أو الحقّ مبتدء ومن ربّك خبر عنه والمعنى انّ جنس الحقّ أو جميع افراده من ربّك فلا حقّ من غيره وكلّما كان مغايرا لما هو من ربّك فهو باطل (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) في توحيد الله بسبب قولهم انّه ثالث ثلاثة ، ولا في رسالتك بانكارهم رسالتك ، ولا في امر عيسى (ع) بقولهم انّه ولد من أب أو من سفاح أو انّه ربّ أو انّه ابن الله (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) اى في عيسى (ع) أو في الحقّ الّذى من ربّك من التّوحيد ورسالتك وخلق عيسى (ع) وكونه بنفخ من الله من غير سفاح ومن غير أب وفي كونه عبدا غير ربّ (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) من بيانيّة أو تبعيضيّة ولم يقل من بعد ما أخذت أو تعلّمت العلم للاشعار بانّ العلم اجلّ وارفع من ان يحصل بالكسب وانّما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء والتّفسير بمجيء البيّنات الموجبة للعلم كما عن العامّة تفسير مستغنى عنه (فَقُلْ) لهم بعد ان لم ينجع فيهم الحجّة ولم يرتدعوا بالبيان والبرهان (تَعالَوْا) إلينا أو الى مجتمع النّاس حتّى نجيء نحن للحجّة الفارقة الّتى لا يشكّ أحد عند مشاهدتها في الغالب والمغلوب والمحقّ والمبطل وتلك الحجّة هي الابتهال الّذى هو الاجتهاد في الدّعاء بخير أو بشرّ ليلحق لعن الحقّ تعالى وعقوبته للمبطل منّا ويظهر بطلانه ، ودعاء الخصم الى مثل هذا الأمر لا يكون الّا من العلم بصدق نفس الدّاعى وبطلان خصمه واليقين بإجابة الله له ، فانّ الشاكّ في امره لا يجترئ على مثل هذا الأمر ، والشاكّ في الاجابة يتخوّف من بطلان الدّعوى بعدم الاجابة ، ولكونه على يقين من أمره أمر بدعاء أعزّة آهالهم فانّ الإنسان لا يقدم على إهلاك اهله معه بل يخاطر بنفسه دونهم ويجعل نفسه غرضا للبلايا والقتل لحفظهم ولذلك قدّم الاهمّ فالاهمّ فانّ الأبناء اعزّ الأنفس على الرّجل ثمّ النّساء لانّ غيرة النّاموس تقتضي الدّخول في المهالك لحفظهنّ ومن ثمّ كانوا يسوقون الظّعائن في الحروب معهم لتمنعهم من الهرب وقال : تعالوا.
تحقيق شرافة من كان مع محمّد في المباهلة
(نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) هذا من قبيل قالوا كونوا هودا أو نصارى (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ) يجتهد كلّ منّا في الدّعاء على الآخر (فَنَجْعَلْ) بدعائنا (لَعْنَتَ اللهِ) طرد الله وابعاده من رحمته وهو كناية عن العقوبة (عَلَى الْكاذِبِينَ) هذه الآية من أدلّ الدّلائل على صدقه في نبوّته ، وعلى شرافة من أتى بهم للمباهلة وكونهم أعزّة اهله وأصحابه ، ولا خلاف بين الفريقين انّه (ص) لم يأت بأحد معه للمباهلة سوى الحسنين (ع) وفاطمة (ع) وعلىّ (ع). روى عن الصّادق (ع) انّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (ص) وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد وحضرت صلوتهم فأقبلوا يضربون بالنّاقوس وصلّوا فقال أصحاب رسول الله (ص) : يا رسول الله (ص) هذا في مسجدك؟ ـ فقال : دعوهم ، فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (ص) فقالوا الى ما تدعوا؟ ـ فقال : الى شهادة ان لا اله الّا الله وانّى رسول الله وانّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث ، قالوا : فمن أبوه؟ ـ فنزل الوحي على رسول الله (ص) فقال : قل لهم ما تقولون في آدم (ع) أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح؟ ـ فسألهم النّبىّ (ص) ، فقالوا : نعم ، قال : فمن أبوه؟ ـ فبهتوا فأنزل الله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) الى قوله (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) ، فقال رسول الله (ص) : فباهلوني فان كنت صادقا أنزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا أنزلت علىّ ، فقالوا : أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلمّا رجعوا الى منازلهم قال رؤساؤهم : ان باهلنا بقومه باهلناه فانّه ليس نبيّا وان باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله فانّه لا يقدم الى أهل بيته الّا وهو صادق ، فلمّا أصبحوا جاؤا الى