التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ) يعنى انّ ملّة التهوّد وشريعته كانت من التّوراة وشريعة التّنصر كانت من الإنجيل ونزلت التّوراة بعد إبراهيم نحوا من الف سنة ونزل الإنجيل بعده نحوا من ألفين (أَفَلا تَعْقِلُونَ) انّ هذه دعوى برهان بطلانها معها ولا يدّعى مثلها العاقل (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) منادى أو بدل أو خبر والإتيان به وبأداتى التّنبيه للاشعار بانّهم من حمقهم وبلادتهم لا يتنبّهون بدون التأكيد في التّنبيه وبدون النّداء ، وإذا كان هؤلاء بدلا أو خبرا كان كالتّصريح ببلادتهم فانّ المعنى أنتم هؤلاء الحمقى الّذين ادّعوا دعوى برهان بطلانها معها (حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من امر موسى (ع) وشريعته وامر عيسى (ع) وشريعته يعنى كان في ذلك علم اجمالىّ لكم وشأنكم ان يكون ذلك معلوما لكم فحاججتم وصرتم مغلوبين في المحاجّة (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) من امر إبراهيم وشريعته يعنى انّ العاقل إذا صار مغلوبا حين المحاجّة في امر يكون معلوما له أو من شأنه ان يكون معلوما له ينبغي ان يتحرّز عن المحاجّة فيما ليس له به علم ، ومن لم يتحرّز عن المحاجّة فيما ليس من شأنه العلم به كان سفيها غير عاقل (وَاللهُ يَعْلَمُ) فيعلّم نبيّه (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فمحاجّتكم مع الرّسول محاجّة الجاهل مع العالم وليست وصف العاقل (ما كانَ) متعلّق بيعلم ولا تعلمون على سبيل التّنازع وعلّقهما لفظ ما عن العمل ، أو ابتداء كلام من الله للردّ على اليهود والنّصارى والمشركين في دعاويهم الباطلة فانّه بعد ما سفّههم تلويحا وتصريحا صرّح بالمدّعى وابطال دعواهم فقال : ما كان (إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) مستقيما أو مائلا الى الدّين الحقّ من الأديان الباطلة ولمناسبة أحد المعنيين فسّر بالخالص وهو تعريض بهم (مُسْلِماً) منقادا لله أو صابرا ذا سلامة من عيوب النّفس وبهذا المعنى فسّر بالمخلص وهو أيضا تعريض بهم (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ردّ على المشركين لانّه ادّعى مشركو مكّة انّ ملّتهم ملّة إبراهيم (ع) ولمّا كان نفى الإشراك خارجا ممّا كان البحث والمحاجّة فيه كرّر النّفى والفعل للاشعار بكونه نفيا آخر ، نسب الى أمير المؤمنين (ع) انّه قال : لا يهوديّا يصلّى الى المغرب ولا نصرانيّا يصلّى الى المشرق ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمّد (ص) (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : إذا لم يكن اليهوديّة والنّصرانيّة وملّة الشّرك منسوبة الى إبراهيم فمن كان أقرب الخلق اليه؟ ـ فقال : انّ أقرب النّاس واحقّهم (بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في زمانه وبعده الى بقاء أمّته (وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) اى أسلموا بالبيعة العامّة على يده تعريض بهم ونفى لاولويّتهم به فانّهم ادّعوا أولويّتهم به كلّ بوجه فقال تعالى : انّ الاولى به في زمانه أمّته ، وفي هذا الزّمان محمّد (ص) وأمّته لانّهم أحيوا ملّته وما خالفوه في أصول العقائد ، واولى النّاس بالأنبياء أعملهم بما جاؤا به ، عن الصّادق (ع) هم الائمّة ومن اتّبعهم يعنى الّذين آمنوا فأراد من الايمان ، الايمان الخاصّ الحاصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة المورثة دخول الايمان في القلب والباعثة لمعرفة هذا الأمر والدّخول في أمرهم وعن عمر بن يزيد عنه قال : أنتم والله من آل محمّد (ص) فقلت : من أنفسهم جعلت فداك؟ ـ قال : نعم والله من أنفسهم ثلاثا ثمّ نظر الىّ ونظرت اليه ، فقال : يا عمر انّ الله يقول في كتابه : انّ اولى النّاس ؛ الآية ، وعن أمير المؤمنين (ع) انّ اولى النّاس بالأنبياء أعملهم بما جاؤا به ، ثمّ تلا هذه الآية : قال : انّ ولىّ محمّد (ص) من أطاع الله وان بعدت لحمته ، وانّ عدوّ محمّد (ص) من عصى الله وان قربت قرابته (وَاللهُ وَلِيُ