الْمُؤْمِنِينَ) تشريف آخر لهم وتعريض بأهل الكتاب حيث قالوا : نحن أبناء الله واحبّاؤه (وَدَّتْ) كلام منقطع عن سابقه كأنّه أراد بعد تسفيه أهل الكتاب وتشريف المؤمنين ان يهيّجهم لئلّا يغترّوا بإضلال أهل الكتاب فقالت : ودّت (طائِفَةٌ) قليلة لانّ أكثرهم كالبهائم لا يتنبّهون بضلال وإضلال وهداية (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) اى اضلالكم (وَما يُضِلُّونَ) بإرادة إضلال المؤمنين (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) فانّ الضّالّ إذا أراد إضلال الغير اشتدّ ضلال نفسه فهو بإضلال الغير يضلّ نفسه (وَما يَشْعُرُونَ) انّهم في إضلال الغير ومنعه عن الخير يضلّون أنفسهم ويمنعونها عن خيرها ، أو ما يضلّون من المؤمنين الّا أسناخهم فانّ من لم يكن من سنخهم من المؤمنين لا يضلّ بإضلالهم ، ومن يضلّ بإضلالهم كان من سنخهم لانّه كان كافرا مثلهم وكان الايمان عرضا معارا لهم ، أو ما يضلّون وما يزيدون بإرادة إضلال المؤمنين الّا في ضلال أمثالهم من الكفّار فانّ الكافر إذا رأى وسمع إضلال قرينه للمؤمنين اشتدّ ضلاله (يا أَهْلَ الْكِتابِ) ناداهم بنداء البعيد تحقيرا وتبعيدا لهم عن ساحة الحضور وتنبيها على كمال غفلتهم (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) التّدوينيّة الثّابتة في التّوراة والإنجيل والقرآن في نعت محمّد (ص) ووصيّه (ع) وفي الأحكام المشروعة لكم فيها ، أو التّكوينيّة الثّابتة في العالم الكبير من موسى (ع) وعيسى (ع) ومحمّد (ص) ، أو الثّابتة في العالم الصّغير من العقول الزاجرة عن اتّباع الهوى والواردات الزّاجرة والمرغّبة (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) تعلمون آيات الله أو حاملون للشّهادة لآيات الله ، والكفر والكتمان بعد العلم اشدّ ، أو أنتم تؤدّون الشّهادة بصدق الآيات إذا خلوتم مع أمثالكم ، أو أنتم تشاهدون وتعاينون الآيات من حيث انّها آيات ، وهذه الآية مثل الآية الآتية تعريض بأمّة محمّد وكفرهم بآيات الله التّدوينيّة والتّكوينيّة مع تحمّلهم للشّهادة على خلافة علىّ (ع) (يا أَهْلَ الْكِتابِ) كرّر النّداء لما ذكر من وجه الإتيان بنداء البعيد (لِمَ تَلْبِسُونَ) تخلطون (الْحَقَّ بِالْباطِلِ) والمراد به ما كانوا يفعلونه من تحريف التوراة والإنجيل وكتمان ما فيهما من نعت محمّد (ص) ووصيّه (ع) ومن إظهار الإسلام صدر النّهار والرّجوع منه آخره تدليسا على المؤمنين وتشكيكا لهم ، ومن إظهار الكفر بمحمّد (ص) وابطان التّصديق به ومن إظهار تصديق موسى (ع) وعيسى (ع) ، وابطان انكار ما ورد منهما في نعت محمّد (ص) ويجرى ذلك الخلط والكتمان في أهل الكتاب ممّن أسلم على يد محمّد (ص) بالبيعة العامّة أو آمن بالبيعة الخاصّة فانّه يقال لهم : لم تلبسون العقائد الحقّة المأخوذة بالآراء الكاسدة النّفسانيّة ، واللّمّات الإلهيّة باللّمّات الشّيطانيّة ، والزاجرات الملكيّة بالشّهوات الحيوانيّة ، والعبادات القالبيّة والقلبيّة بالأغراض الفاسدة ، ولو كانت قربا من الله أو رضاه من العابد أو انعامه عليه (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الحقّ أو اللّبس والكتمان ، أو أنتم العلماء وكون الآية تعريضا بالامّة ظاهر (وَقالَتْ طائِفَةٌ) قليلة لما ذكر في السّابق من انّ أكثرهم كالبهائم لا يهتدون الى الحيل الشّيطانيّة (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا) اى أظهروا ايمانكم (بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) لتتمكّنوا من الإنكار وإلقاء الشّبه في قلوب الّذين آمنوا فانّ المقرّ بشيء إذا أنكره كان إنكاره أوقع واشدّ تأثيرا من انكار من لا يعرف ذلك الشّيء لانّ السّامع يظنّ انّه ابصر خللا فيه وأنكره (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) اى آخر النّهار (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) روى في نزول الآية انّ رسول الله (ص) لمّا قدم المدينة وهو يصلّى نحو بيت المقدّس أعجب ذلك القوم فلمّا صرفه الله عن بيت المقدّس