الى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك وكان صرف القبلة صلوة الظّهر فقالوا : صلّى محمّد (ص) الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالّذى انزل على محمّد (ص) وجه النّهار واكفروا آخره ، يعنون القبلة حين استقبل رسول الله (ص) المسجد الحرام لعلّهم يرجعون الى قبلتنا (وَلا تُؤْمِنُوا) من كلام تلك الطّائفة وعطف على آمنوا والمعنى لا تظهروا ايمانكم اللّسانىّ مع ابطان التّهوّد أو التّنصرّ (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) اى الّا لمن كان على دينكم قبل إسلامه فانّهم أقرب الى قبول قولكم ولا يكون رجوعهم الّا الى دينكم فيتقوّى به دينكم وأهل دينكم بخلاف غيرهم فانّهم لا ينجع فيهم قبولكم وانكاركم ، ولو نجع لا تنتفعون برجوعهم عن دين الإسلام لعدم دخولهم في دينكم ، أو المعنى لا تصدّقوا الّا لمن تبع دينكم ، أو لا تظهروا إقراركم بان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم الّا لمن تبع دينكم ، أو قوله تعالى (وَلا تُؤْمِنُوا) خطاب من الله للمؤمنين يعنى لا تغترّوا ايّها المؤمنون بقول أهل الكتاب بمحض إظهار الايمان ولا تصدّقوا لأحد الّا لمن تبع دينكم حتّى يظهر صدق قوله بآثار فعله وعلى اىّ تقدير فقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) معترضة وقوله تعالى (أَنْ يُؤْتى) متعلّق بلا تؤمنوا والمعنى لا تؤمنوا بان يؤتى ، أو قوله (قُلْ إِنَّ الْهُدى) ابتداء كلام من الله وهدى الله بدل من الهدى ، أو خبر له وان يؤتى خبر له على الاوّل وخبر بعد خبر على الثّانى والمعنى انّ الهدى اعتقاد ان يؤتى (أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) من الكتاب والشّريعة (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) بان يحاجّوكم أو حتّى يحاجّوكم وضمير يحاجّوكم راجع الى أحد لعمومه معنى وقرئ ان يؤتى بالمدّ بهمزة الاستفهام وتخفيف همزة ان على معنى أتذكرون ان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتّى يحاجّوكم عند ربّكم وقرئ بكسر همزة ان على معنى النّفى (قُلْ) لأهل الكتاب ليس فضل الله بأيديكم حتّى تؤتوه وتمنعوه بحيلكم (إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) والمراد بالفضل اعمّ من الكتاب والحكمة والرّسالة والنّبوّة والهداية والسّعة في الصّدر والدّنيا (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ) لا نفاد في فضله بايتائه لموسى (ع) وعيسى (ع) وأمّتهما حتّى لا يؤتيه غير هما كما زعمتم وادّعيتم (عَلِيمٌ) بمن كان أهلا لايتائه فكلّما وجد أهلا له أعطاه ولو كرهتموه (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) اى يميز برحمته من يشاء من غيره ولمّا كان الفضل عبارة عن الرّسالة وعن قبولها بالبيعة العامّة النبويّة وقبول الدّعوة الظّاهرة وكان الرّحمة عبارة عن الولاية وعن قبولها بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة أتى في جانب الفضل بالايتاء الدالّ على مطلق الإعطاء لعموم دعوة الرّسالة وعموم قبولها وفي جانب الرّحمة بالاختصاص المشعر بالامتياز والاختيار (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) بحيث لا نفاد في فضله ولا ضنّة له في إعطائه (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) عطف باعتبار المعنى كأنّه قال : من أهل الكتاب من يحتال بالحيل الشّيطانيّة ومنهم من يكون سالما من الحيل ، ومن أهل الكتاب في مقام الامانة والخيانة (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ) الباء التّعدية والقنطار أربعون وقيّة من الذّهب أو الف ومأتا دينار أو ثمانون الف درهم ، أو مائة رطل من الذّهب أو الفضّة ، أو الف دينار أو ملء مسك ثور ذهبا أو فضّة ، أو الف ومأتا وقيّة ، أو سبعون الف دينار والمراد مدح بعضهم بأنّك ان تأمنه بكثير من المال لا يخنه و (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) قيل : المراد بهذا البعض النّصارى (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) أصله دنّار بدليل دنانير والمقصود المال القليل يخنه و (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) اى الّا ما لم تغب عن نظره وقيل : المراد بهذا البعض اليهود والحقّ انّه لا اختصاص لشيء منهما