بفرقة منهما (ذلِكَ) المذكور من عدم الأداء (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي) حقّ (الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) يعنى ليس علينا عقوبة في التّقصير في حقوق من ليسوا من أهل الكتاب والمراد بالامّيّين امّا أهل مكّة أو أهل الإسلام لانتسابهم الى محمّد (ص) المبعوث من مكّة ، أو محمّد (ص) الّذى لم يقرأ ولم يكتب ، أو المراد كلّ من لم يكن له كتاب وشريعة وملّة إلهيّة وذلك انّهم استحلّوا ظلم من خالفهم وقالوا : لم يجعل لهم في التّوراة حرمة وعن النّبىّ (ص) انّه لمّا قرأ هذه الآية قال : كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهليّة الّا وهو تحت قدمي الّا الامانة فانّها مؤدّاة الى البرّ والفاجر (وَيَقُولُونَ) اى يعلّقون بقولهم هذا (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) انّه كذب وهذا تعريض بالامّة وما أحدثوه بعد وفاة الرّسول (ص) من الاختلاف وانكار كلّ فرقة حرمة الاخرى كما هو واقع في زماننا بين المنتحلين للتشيّع والمقرّين بالأئمّة الاثنى عشر حيث يكفّر ويلعن بعضهم بعضا ويستحلّون أموالهم ودماءهم وفروج المحصنات من نسائهم بادّعاء كلّ انّ المخالف لمذهبنا لا حرمة له في نفسه وماله وعرضه (بَلى) عليهم سبيل فانّ الله لا يدع ظلامة العباد (مَنْ أَوْفى) ابتداء كلام تعليل لجملة تضمّنتها بلى يعنى عليهم سبيل لانّ كلّ من اوفى (بِعَهْدِهِ) الّذى عاهده مع نبىّ (ص) أو وصىّ نبىّ (ع) بالبيعة العامّة أو الخاصّة والوفاء بسائر العهود من الوفاء بهذا العهد فانّه مأخوذ فيه (وَاتَّقى) من مخالفة ما عاهد به في بيعته والامانة جزء ما عاهد به سواء كان أمّيّا أو من أهل الكتاب (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بعلّة الحكم فكأنّه قال : فانّ الله يحبّه والمحبّ ينتقم ممّن ظلم محبوبه ويجوز ان يكون بلى تقريرا لسابقه على مرجوحيّة ويكون المعنى : بلى لا سبيل على المؤمن المعاهد بشرط الوفاء بالعهد واتّقاء مخالفة ما وصف في عهده لانّ من اوفى بعهده واتّقى المخالفة صار محبوبا لله والمحبوب لا يناله مكروه من المحبّ ولا يؤاخذه المحبّ على ما فرط منه بالنّسبة الى عدوّه (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) كان اقتضاء المقابلة ان يقال : ومن لم يوف بعهده ولم يتّق فانّ الله يبغضهم لكنّه أبرزه في صورة الجواب لسؤال مقدّر ليكون أوقع ، واكّده بمؤكّدات وبسط في الكلام لاقتضاء مقام السّخط ذلك فكأنّه قيل : قد علم حال الوافي بالعهد المتّقى فما حال هؤلاء النّاقضين النّاكثين؟ ـ فقال : انّ الّذين يشترون (بِعَهْدِ اللهِ) الّذى عاهدوه في البيعة (وَأَيْمانِهِمْ) جمع اليمين بمعنى القسم وانّما سمّى يمينا لانّهم كانوا حين الحلف يعقدونه بايمانهم ، أو المراد عقود البيعة فانّ البيعة لا تعقد الّا بالايمان (ثَمَناً قَلِيلاً) من اعراض الدّنيا وأغراضها فانّ الدّنيا برمّتها ثمن بخس عند من يرتضيها ، وامّا من كان متوجّها الى الآخرة متلذّذا بلذائذها فهو نافر منها كلّ النفرة منزجر عنها كلّ الانزجار ، وان توقّف عليها بأمر من الله كان كمن حبس في مزبلة كثيرة الحشرات خبيثة الموذيات (أُولئِكَ) تكرار المبتدأ باسم الاشارة البعيدة للتّأكيد وللاحضار بالأوصاف الذّميمة وللتبعيد عن ساحة الحضور (لا خَلاقَ لَهُمْ) لا نصيب لهم (فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) عدم التّكليم وعدم النّظر كناية عن سخطه تعالى عليهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) لا يثنى عليهم ولا يذكرهم بخير ، أو لا يطهّرهم من ذنوبهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) اثبت العذاب الأليم بعد ما نفى الأوصاف الّتى فيها تشريف بترتيب الأشرف فالادون عنهم ، نسب الى النّبىّ (ص) انّه من حلف على يمين يقطع بها مال أخيه لقى الله عزوجل وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديقه في كتابه ، (إِنَّ الَّذِينَ