يَشْتَرُونَ) ؛ الآية (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) عطف على قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ) وأتى بأداتى التّأكيد في المعطوف لأنّه أبلغ في الّذمّ ويتطرّق الشّكّ والإنكار فيه ، ولواه فتله وثناه ، ويشبه ان يكون الكلام على القلب والتّقدير يلوون الكتاب بألسنتهم ومثل هذا القلب كثير ، أو هو على الأصل بناء على تشبيه اللّسان بالمفتول والكتاب بآلة الفتل ، أو على كون المعنى يحرّكون ألسنتهم بالكتاب ، والمقصود انّهم يحرّفون الكتاب بحسب اللّفظ بالزّيادة والنّقيصة والتّبديل ، وبحسب المعنى بالتّغيير عن معناه والحمل على المعنى الغير المراد ، أو المعنى يفتلون الكتاب بألسنتهم لا بلسان الله أو يحرّكون ألسنتهم لا لسان الله بالكتاب (لِتَحْسَبُوهُ) اى الّذى جرى على ألسنتهم (مِنَ الْكِتابِ) لتشابهه صورة بما في الكتاب يعنى أنّهم بآرائهم وانانيّاتهم يقرؤن شيئا من التّوراة والإنجيل ، أو يذكرون شيئا من أحكام شريعة موسى (ع) وعيسى (ع) بناء على عدم اختصاص الكتاب بصورة التّوراة والإنجيل لتحسبوا المقروّ أو المذكور ايّها السّامعون من التّوراة والإنجيل ، أو من الشّريعتين.
تحقيق التواء الكتاب باللّسان المضاف الى النّفس
(وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) لانّ الكتاب هو الّذى يجرى على لسان صار لسان الله لخلوّ صاحبه من نسبة الوجود الى نفسه وصيرورته وصيرورة أعضائه الات الله ، وهذا المقرّو وان كان بصورة الكتاب لكنّه جار على لسان لا نسبة بينه وبين الله ، ونقوش الكتاب وحروفه وان كانت كلّيّة لا اختصاص لها بنقش كتاب مخصوص ولا بحرف لسان مخصوص لكن شرط صدق الكتاب عليها ان تكون صادرة عن يد منتسبة الى الله ، أو لسان منسوب اليه كأيدى الأنبياء (ع) وألسنتهم ، غاية الأمر ان يكون نسبة التّابع أضعف من نسبة النّبىّ (ص) المتبوع ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) يعنى لا بيد الله ثمّ يقولون (هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ؛) الآية ، وللاشارة الى انّه ينبغي ان يكون لسان العبد حين القراءة وكذلك يده حين الكتابة لسان الله ويده امر الله تعالى عباده بتلاوة القرآن وامر المعصومون ان يقولوا : لبّيك اللهمّ لبّيك ؛ عند قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ،) وان يقولوا كذلك الله ربّى ؛ عند قراءة التّوحيد ، وان يسبّحوا ويحمدوا ويستغفروا الله ؛ عند قراءة إذا جاء نصر الله ، وأمثال ذلك ممّا يدل على انّه ينبغي ان يفرض لسان القارى لسان الله ثمّ عومل مع المقروّ نحو معاملة مقروّ الله كثيرة (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) بل هو من عند أنفسهم ومن عند الشّيطان (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بهذا القول (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) انّه كذب ، أو هم المعدودون من العلماء ، أو المعنى يقولون على الله الكذب غير ما يفتلونه بألسنتهم وهم يعلمون انّه كذب (ما كانَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : هل يجوز لنبىّ (ص) ان يدعو النّاس الى نفسه؟ ـ أو هو جواب لسؤال كان مذكورا ولم يحك لنا على ما قيل : انّ أبا رافع القرظىّ والسيّد النجرانىّ قالا : يا محمّد (ص) أتريد ان نعبدك ونتّخذك ربّا؟ ـ فقال : معاذ الله ان نعبد غير الله وان نأمر بعبادة غير الله فما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرنى ، فنزل ما كان اى ما صحّ (لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) والمراد بالكتاب الرّسالة وأحكامها والكتاب التّدوينىّ صورتها وبالحكم الولاية وآثارها والنّبوّة برزخ بينهما ولذلك أخّرها (ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي) لانّه ما لم يخرج من انانيّته ولم يحي بانانيّة الله ولم يبق بالله لم يؤت الكتاب ، وإذا خرج من انانيّته لم يكن له نفسيّة حتّى يقول : كونوا عبادا لي