وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) يعنى نحن آمنّا وأسلمنا فأنتم ان شئتم أسلمتم وان شئتم لم تسلموا (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ) المذكور فيكون اللّام للعهد الذّكرىّ أو غير دين الإسلام فيكون اللّام للعهد الذّهنىّ (دِيناً) ملّة أو طريقا الى آخرته (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ابتغاؤه وجهده (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) حيث أنفق بضاعته من القوى والمدارك وأنفد عمره في طلب ما لا ينفعه بل يضرّه.
تحقيق أصناف النّاس بحسب طلب الدّين والبقاء عليه والارتداد منه
اعلم انّه تعالى أشار في هذه الآيات الى أقسام النّاس التسعة بالمنطوق والمفهوم لانّ الإنسان امّا طالب لدين أو غير طالب ، والطّالب امّا يبتغى الإسلام دينا فجهده مقبول وهو من الرّابحين وهو مفهوم مخالفة من يبتغ غير الإسلام دينا وامّا يبتغى غير الإسلام دينا وهو منطوقه ، وغير الطّالب امّا داخل في الإسلام أو غير داخل سواء كان داخلا في دين وملّة اخرى أو كان واقفا في جهنّام الطّبع ، وغير الدّاخل في دين الإسلام كافر وهو امّا يموت على الإسلام حين ظهور الولاية عليه حال الاحتضار أو على الكفر وقد أشار إليهما بمنطوق قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) وبمفهومه ، والدّاخل في الإسلام امّا يرتدّ عن ملّة الإسلام أو يبقى عليها من غير ازدياد فيها ، والمرتدّ الملّىّ امّا يتوب أو يبقى على ارتداده من غير ازدياد فيه ومن غير انجراره الى الارتداد الفطرىّ ، وقد أشار الى هذه الثّلاثة بمنطوق قوله (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) الى قوله (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ومفهومه وقد أشار الى الباقي على الارتداد مع انجراره الى الارتداد الفطرىّ الّذى لا توبة له ، والى الباقي على الإسلام مع ازدياده وانجراره الى الايمان بمراتبه بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) الى آخر الآية بمنطوقه ومفهومه.
واعلم أيضا انّ الإنسان له اتّصال بالأرواح الطيّبة وآبائه العلويّة بحسب الفطرة والخلقة وهذا الاتّصال يورث استعداده للارتقاء الى أوائل علله وهذا هو الحبل من الله المذكور في الكتاب وهو الفطرة الّتى فطر الله النّاس عليها فان اتّصل مع ذلك بخلفاء الله بالبيعة العامّة أو الخاصّة صار مسلما أو مؤمنا ويعبّر عن هذا الاتّصال والدّخول تحت الأحكام الإلهيّة القالبيّة أو القلبيّة بالإسلام والايمان والملّة والدّين ، وهذا الاتّصال هو الحبل من النّاس المذكور في الكتاب ، والمتّصل بهذا الاتّصال ان ارتدّ عن هذا الاتّصال وقطع هذا الاتّصال بإنكار الله أو خلفائه أو احكامه ولم يؤدّ ارتداده الى قطع الفطرة صار مرتدّا ملّيّا بمعنى انّه ارتدّ عن الملّة وقطع الحبل من النّاس لا عن الفطرة وهذا المرتدّ لبقاء الحبل من الله وعدم قطع الفطرة ان تاب يقبل توبته لبقاء استعداده للاتّصال ثانيا والارتقاء الى الأرواح وهذا هو المرتدّ الملّىّ ، وان ارتدّ وزاد في ارتداده حتّى ينجرّ الى قطع الفطرة وابطالها وقطع الحبل من الله صار مرتدّا فطريّا لارتداده عن الاتّصال الفطرىّ ، وهذا المرتدّ لبطلان فطرته واتّصاله الّذى كان سبب استعداده للاتّصال التّكليفىّ لا يقبل توبته ولذا قيل بالفارسيّة : «مردود شيخي را اگر تمام مشايخ عالم جمع شوند وخواهند إصلاح نمايند نتوانند» ، وما ورد في الاخبار وأفتى الفقهاء رضوان الله عليهم به من الاشارة الى انّ المرتدّ الملّىّ من ولد على الكفر ونشأ عليه ثمّ دخل في الإسلام ثمّ ارتدّ منه ، والمرتدّ الفطرىّ من ولد على الإسلام ونشأ عليه ثمّ دخل فيه ثمّ ارتدّ منه ، اشارة الى انّهما كاشفان من الارتدادين فانّ المتولّد على الإسلام والناشئ عليه الدّاخل فيه لكون إسلامه كالذاتيّات قلّما يخرج منه ما لم يقطع الفطرة ، والمتولّد على الكفر النّاشئ عليه الدّاخل في الإسلام لكون إسلامه مثل العرضيّات كثيرا ما يخرج من الإسلام من غير ابطال الفطرة وحينئذ لا حاجة لنا الى تكلّف قبول توبة المرتدّ الفطرىّ باطنا وعدم قبوله ظاهرا ؛ إذا عرفت ذلك فقوله