إلينا فكذّبهم الله وأجابهم بقوله : كلّ الطّعام (كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وليس كما قالت اليهود انّ الطيّبات كانت محرّمة من زمن نوح (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ) بسبب مرضه (عَلى نَفْسِهِ) من لحوم الإبل فانّه كما روى كان به وجمع الخاصرة أو عرق النّساء وكان إذا أكل لحم الجمل هيّج الوجع به فحرّم على نفسه لحم الإبل (مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) متعلّق بقوله حلّا أو بحرّم أو بكليهما على سبيل التّنازع يعنى كلّ المطاعم كان حلّا لبني إسرائيل سوى لحم الإبل الّذى حرّمه إسرائيل على نفسه قبل نزول التّوراة وبعد نزول التّوراة حرّم الطيّبات عليهم ببغيهم (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) حاجّهم بكتابهم حتّى يتبيّن كذبهم في ادّعائهم وصدقه (ص) فيما نزل عليه من كتابهم ، وقيل : لم يجسروا على إتيان التّوراة وبهتوا ، وهذا دليل صدقه في نبوّته حيث تمسّك بكتاب خصمه في صدقه (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بادّعاء انّ المحرّمات كانت محرّمة من زمن نوح (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) المذكور من المحاجّة والزام الحجّة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) تأكيد حصر ادّعاء مبالغة ، وظلمهم عبارة عن وضع الإنكار موضع التّصديق والإقرار (قُلْ صَدَقَ اللهُ) كانّ المقصود ان يقول : ظهر صدقى فاتّبعوا ملّتى لكن لمّا كان نسبة الصّدق الى الله في المقام مستلزما لصدقه (ص) لانّه مدّع انّ أقواله ملقاة من الله تعالى اليه فاذا كان الأقوال الملقاة من الله صادقة كان هو صادقا وكان الكناية بصدق الله عن صدقه أبلغ من التّصريح وأبعد من الشغب واللّجاج وأقرب الى الإنصاف كنى به عنه ، وهكذا الحال في الأمر باتّباع ملّة إبراهيم فانّه (ع) لمّا كان معلنا بانّ ملّة إبراهيم وملّة إبراهيم ملّته كنى باتّباع ملّة إبراهيم (ع) عن اتّباع ملّته (ص) فقال (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قد مضت هذه العبارة قبيل هذا.
تحقيق كون البيت اوّل بيت وضع وكونه مأمنا
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ) بالزّمان كما في الخبر انّ موضع البيت اوّل بقعة خلقت من الأرض على اختلاف في مضمونها ثمّ دحيت الأرض من تحتها ، وكما في الاخبار انّ الله أنزله لآدم من الجنّة وكانت درّة بيضاء فرفعه الله الى السّماء وبقي اسّه ، أو بالشّرف كما في الخبر : انّ الله اختار من كلّ شيء شيئا ؛ اختار من الأرض موضع الكعبة ، أو للعبادة على ما قيل انّه لم يكن قبله موضع مخصوص للعبادة (وُضِعَ) خلق أو بنى (لِلنَّاسِ) لانتفاعهم بالمكاسب فيه للكاسبين ، أو بغفرانهم لقاصديه ، أو براحتهم وأمنهم عن القاصدين لملتجئيه ، أو بهدايتهم لناظريه وناظرى آياته ، أو بكفايتهم وقيامه بأمر معاشهم لساكنيه ومجاوريه ولو كانوا كافرين ، أو ببقائهم وعدم هلاكهم على ما روى من انّه لو هدم البيت وتركوا الحجّ لهلك أهل العالم (لَلَّذِي) للبيت الّذى (بِبَكَّةَ) بكّة ومكّة مترادفتان ، أو بكّة موضع البيت ومكّة تمام البلد وسمّيت بكّة لانّ النّاس يبكّون فيها يعنى يزدحمون أو لبكاء النّاس حولها وفيها ، أو لانّها تبّك أعناق الجبابرة اى تدقّها وأشير الى ذلك في الاخبار ، وروى انّما سمّيت مكّة بكّة لانّه يبكّ بها الرّجال والنّساء والمرأة تصلّى بين يديك وعن يمينك وعن شمالك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك لأنّه انّما يكره في سائر البلدان (مُبارَكاً) ذا بركة لمجاوريه حيث يرزقون من ثمرات الأشجار تماما مع انّه لا ثمرة في مكّة ويجلب الحبوب والاثمار اليه ولزائريه حيث يغفر الله لهم كيوم ولدتهم أمّهم ، وينظر إليهم