بالرّحمة ، ويقبل توبتهم ، ويخلف ما أنفقوا في سبيله ، وللطّيور وسائر الحيوان حيث انّها مأمونة من الاصطياد ولطيور المسجد لكونها مأمونة ومرزوقة ، وللأشجار والنّبات في ارض الحرم حيث انّها مأمونة عن القطع في الجملة ، ولأهل العالم حيث انّهم باقون مرزوقون به كما سبق الاشارة اليه (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) في حمل المعنى على الذّات ما مرّ مرارا ، وهدايته امّا بكون وجوده سببا لهيجان النّفوس للتّوجّه والسّلوك اليه ، أو بكونه سببا لقرب زائريه الى الله ، أو بكونه قبلة ومتعبّدا لهم من زمن إبراهيم (ع) أو من زمن آدم (ع) ، أو بكونه ذا آيات دالّات على تشريف الله ايّاه وعلى كونه في حماية الله ، وعلى صدق الأنبياء (ع) الّذين أمروا بتعظيمه والطّواف حوله والنّسك لديه ، وصدقهم في ذلك يدلّ على صدق رسالتهم وليس رسالتهم الّا بالإقرار بالمبدأ والمعاد وتوحيد المبدأ وتوحيد العبادة ، وتلك الآيات مثل إهلاك من قصد خرابه مثل أبرهة صاحب الفيل وجنوده ، ومثل شيوع الموت في قبائل أخذوا الحجر الأسود حتّى ردّوه اليه ، ومثل تنطّق الحجر الأسود كما روى عند محاجّة محمّد الحنفيّة مع علىّ بن الحسين (ع) ، ومثل انحراف الطّيور من محاذاته في طيرانهم ، وبكونه ذا آيات باقية من آثار الأنبياء ومعجزاتهم (ع) مثل مقام إبراهيم فانّ غوص القدم في الحجر الصّلب آية دالّة على انّ صاحبه ذو قوّة خارجة عن طوق البشر إلهيّة ، وكذا كونه محفوظا على مدى الاعصار مع كثرة أعدائه الّذين كانوا بصدد محو مثل تلك الآثار ولذلك علّله بقوله تعالى (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) جملة مستأنفة جواب للسّؤال عن علّة الهداية ، أو حال مترادفة ، أو متداخلة للتّعليل ، أو صفة كذلك ، أو خبر بعد خبر وقد سبق الاشارة الى الآيات والى ظهورها (مَقامُ إِبْراهِيمَ) بدل من الآيات بدل البعض من الكلّ أو مبتدأ خبر محذوف أو خبر مبتدء محذوف اى هي مقام إبراهيم (ع) فانّه باعتبار غوص القدم في الحجر وبقاء اثر القدم ومحفوظيّته في دهور طويلة آيات عديدة وحكاية مقام إبراهيم (ع) قد اختلف الاخبار في بيانها من أراد فليرجع الى الاخبار وكتب التّفاسير (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) عطف على مقام إبراهيم (ع) أو على جملة (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ ،) أو على جملة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ،) أو حال ولفظة من موصولة أو شرطيّة والدّاخل فيه آمن من عذاب يوم القيامة بشرط الايمان والدّاخل في الحرم آمن بالمواضعة الإلهيّة عن المؤاخذة بجناية يؤاخذ عليها والضّمير راجع الى البيت ، أو الى مقام إبراهيم ، والمراد بمقام إبراهيم (ع) هو الحجر الّذى فيه اثر قدم إبراهيم (ع) أو الموضع الّذى فيه ذلك الحجر الآن ، أو الموضع الّذى بينه وبين البيت ، أو المسجد ، أو الحرم تماما كما قيل ، وكون امن من دخله من جملة الآيات ان كان المراد به أمنهم من تعرّض الجبابرة مع كثرتهم وهلاك من تعرّض له ولهم مثل أصحاب الفيل فواضح ، وان كان المراد به أمنهم بالمواضعة الإلهيّة ، أو أمنهم من عذاب يوم القيامة ، أو امن من دفن فيه من العذاب ففيه خفاء.
اعلم انّ جميع الأعمال الشّرعيّة الفرعيّة والمناسك الظّاهرة القالبيّة صور لاعمال اللّطيفة الانسانيّة السّالكة الى الله والمناسك الباطنة القلبيّة وجميع المساجد وبيوت الله الصوريّة صور للمعابد الباطنة الانسانيّة من مواقف السّالك في سلوكه وصور لبيوت الله الحقيقيّة الّتى هي قلوب السّالكين الى الله الدّاخل فيها الايمان الممتازة من الصّدور المنشرحة بالإسلام بدخول الايمان فيها ، وانّ الكعبة لمّا كانت بناء إبراهيم الّذى كان متحقّقا بالقلب وكان بيت الله حقيقة كانت مظهرا للقلب بجميع مناسكه ومعابده ولذلك اجرى عليها جميع ما للقلب من الأوصاف والآثار فانّ القلب اللّحمانىّ لمّا كان اوّل نقطة خلقت من بدن الإنسان لكونه مظهرا للقلب المعنوىّ