والذّكر والشّكر والعصيان والنّسيان والكفر بحسب مراتب المؤمنين (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) يعنى أديموا الإسلام الى حال الموت فالنّهى وارد على القيد لا المقيّد ولا المجموع وقرء في قراءة أهل البيت مسلّمون بالتّشديد يعنى لا تموتنّ الّا وأنتم مسلّمون لرسول الله (ص) ثمّ للإمام من بعده ، ونسب الى الكاظم (ع) انّه قال لبعض أصحابه : كيف تقرأ هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ) ماذا؟ ـ قال : مسلمون يعنى بتخفيف اللّام فقال : سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسمّيهم مؤمنين ثمّ يسألهم الإسلام ؛ والايمان فوق الإسلام؟! قال : هكذا يقرأ في قراءة زيد قال : انّما في قراءة علىّ (ع) وهو التّنزيل الّذى نزل به جبرئيل على محمّد (ص) الّا وأنتم مسلّمون لرسول الله (ص) ثمّ الامام من بعده.
تحقيق حبل الله وحبل النّاس
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) يطلق حبل الله على القرآن لانّه كالحبل المحسوس الممدود من الله الى الخلق طرفه الّذى هو مقام المشيّة وعلويّة علىّ (ع) بيد الله ، وطرفه الآخر بيد النّاس وهو نقشه وكتابته ولفظه وعبارته ويطلق على الكامل من النّبىّ (ص) أو الولىّ (ع) فانّه أيضا حبل ممدود من الله الى الخلق طرفه المشيّة كالقرآن وطرفه الآخر بشريّته ، ويطلق على الولاية التكوينيّة والولاية التّكليفيّة فانّها أيضا حبل ممدود طرفه المشيّة لانّ الكلّ متّحدة في المقامات العالية ، والتّفرقة انّما هي في عالم الفرق وطرفه الآخر بشريّة الكامل وصدر قابل الولاية وبشريّته ، وهكذا الحال في النّبوّة والرّسالة والشّريعة المقرّرة منهما وقوله تعالى بعيد هذا : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) اشارة الى الولايتين أو الى القرآن والولاية التّكليفيّة كما في الخبر انّ الحبل من الله القرآن والحبل من النّاس علىّ بن أبي طالب (ع) ، ونسب الى النّبىّ (ص) انّه قال في مقام وصف الكتاب والعترة : حبلين ممدودين طرف منهما بيد الله وطرف بأيديكم وانّهما لن يفترقا ؛ لكن بعد ما سبق في اوّل سورة البقرة من تحقيق معنى الكتاب وتعميمه يعلم انّ الولاية التّكوينيّة كتاب من الله كما انّ الولاية التكليفيّة أيضا كتاب من الله والمراد به هاهنا محمّد (ص) بنبوّته أو رسالته أو ولايته ، أو المراد شريعته ودينه الّذى هو الإسلام ، أو المراد علىّ (ع) بولايته ؛ فانّ المقصود من تلك الآيات التّعريض بالامّة في اتّباع الولاية ، وعلى تعميم الأمر بالاعتصام يراد جميع معاني الحبل بالنّسبة الى مراتب الخلق فكأنّه قال : اعتصموا ايّها المسلمون بمحمّد (ص) وشريعته وكتابه واعتصموا ايّها المؤمنون بعلىّ (ع) وولايته (جَمِيعاً) اى مجتمعين على الاعتصام (وَلا تَفَرَّقُوا) في الاعتصام بان تمسّك بعضكم بحبل الله وبعضكم بحبل الشّيطان من الأديان المنسوخة والباطلة ومن ولاية المنافقين ، نسب الى الباقر (ع) انّه قال في بيان الآية تعريض بالامّة واختلافهم في الولاية بعد نبيّهم (ص) انّ الله تبارك وتعالى علم انّهم سيفترقون بعد نبيّهم ويختلفون فنهاهم عن التّفرّق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم ان يجتمعوا على ولاية آل محمّد (ص) ولا يتفرّقوا (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) في الدّين متحابّين متّفقين ، لمّا كان العداوة بين النّاس بلاء عظيما لهم والالفة نعمة عظيمة في الدّنيا ومورثا للنّعمة في الآخرة ذكر من بين النّعم الّتى أنعم الله تعالى بها عليهم دفع هذا البلاء وإعطاء هذه النّعمة ، قيل : كان الأوس والخزرج أخوين لابوين فوقع بين أولادهم العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتّى أطفأها الله بالإسلام والّف بينهم ، وقيل : افتخر رجلان من الأوس والخزرج فقال الاوسىّ: منّا خزيمة بن ثابت ذو الشّهادتين ، ومنّا حنظلة غسيل الملائكة ، ومنّا عاصم بن ثابت حمىّ الدّين ، ومنّا سعد بن