مرويّين مبيضّة وجوهكم ثمّ تلا رسول الله (ص) يوم تبيضّ وجوه الى قوله خالدون (تِلْكَ) المذكورات من كون البيت اوّل بيت وضع للنّاس الى انجرار التفرّق في الاعتصام والاختلاف الى اسوداد الوجوه وظهور الظّلمة من الباطن في الظّاهر والى دخول العذاب وانجرار الاجتماع في الاعتصام بحبل الله وولىّ الأمر الى ابيضاض الوجوه ودخول الرّحمة (آياتُ اللهِ) الدّالّة على حقّيّته ومجازاته على الأعمال (نَتْلُوها) في الآيات التّدوينيّة (عَلَيْكَ) أو تلك الآيات المقرّوة آيات كتاب الله نتلوها عليك (بِالْحَقِ) متلبّسة بالحقّ أو بواسطة الحقّ المخلوق به (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) باسوداد الوجوه وذوق العذاب بل هو نتيجة أعمالهم المنجرّة إليهم ، ولمّا كان تقديم الفاعل وإدخال النّفى عليه مفيدا لنفى الفعل عن الفاعل مع إثباته لغيره فهو في قوّة ان يقال : ولكنّهم يريدون الظّلم للعالمين (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) جملة حاليّة أو معطوفة لرفع ما توهّم من نسبة الأفعال السّابقة الى العباد من استقلالهم في الوجود وفي الأفعال ولتعليل نفى الظّلم عنه فانّ الظّلم امّا لجهل الظّالم بقبح الظّلم أو لكون المظلوم وما يملكه ممّا يظلم به خارجا عن ملك الظّالم وأراد إدخاله في ملكه ، واللّام في مثله يدخل على الفاعل مثل ان يقال : هذا البناء للبنّاء الفلاني ، ويدخل على المالك مثل ان يقال : هذا البستان لفلان اى ملكه ، وعلى الغاية مثل ان يقال : هذا البناء للعبادة (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لانّه غاية الغايات ونهاية الطّلبات لانّ كلّ فعل يستعقب فعليّة وكلّ فعليّة تنتهي الى فعليّة اخرى حتّى تنتهي الى فعليّة لا فعليّة فوقها وهي الرّبوبيّة سواء تنتهي الفعليّات على طريق المظاهر اللّطفيّة أو على طريق المظاهر القهريّة الى الفعليّة الاخيرة وغاية الخلقة لجميع الموجودات الإنسان ، وغاية الإنسان الرّبوبيّة كما في الحديث القدسىّ : خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لاجلى ، وهذا رجوع بطريق العود في نفس الأمر ، أو اليه ترجع الأمور لانّه مبدء المبادى ومصدر المصادر وكلّ موجود جوهر أو عرض مخلوق وكلّ مخلوق ذو مصدر ، وكلّ مصدر ذو مصدر آخر الى ان ينتهى الى المصدر الأخير كحركة القلم فانّ مصدرها حركة اليد ، ومصدرها حركة الاعصاب والرّباطات ، ومصدرها حركة القوّة المحرّكة ، ومصدرها حركة القوّة الفكريّة ، ومصدرها النّفس ، ومصدرها العقل ، ومصدره المشيّة ، ومصدرها الرّبوبيّة ، وهذا انتهاء ورجوع بطريق النّظر ، وهذا الرّجوع اشارة الى مبدئيّته تعالى وذلك يدلّ على منتهائيّته (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) استيناف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل من المبيّض الوجوه؟ ـ فقال : كنتم مبيّضى الوجوه ، وقال : خير أمّة للاشارة الى وصف آخر لهم ، ولفظ كان لمحض التّأكيد منسلخ عن الزّمان أو المقصود انّكم كنتم في النّشئات السّابقة خير أمّة (أُخْرِجَتْ) من العدم الى الوجود أو من العوالم العالية والحجب الغيبيّة الى عالم الشّهادة (لِلنَّاسِ) لانتفاعهم (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) جواب لسؤال مقدّر أو صفة أو حال أو خبر بعد خبر وعلى اىّ تقدير فالمقصود تعليل كونهم خير أمّة ويجوز ان يكون مستأنفا لقصد المدح (وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ولمّا كان المخاطبون الائمّة المعصومين (ع) كما روى عنهم بطرق كثيرة وألفاظ متخالفة ومتوافقة وكانوا من اوّل تميزهم وأوان طفوليّتهم معصومين وآمرين قواهم وجنودهم فطرة بالمعروف وناهين لها عن المنكر الى زمان تعلّق التّكليف بهم بحسب الظّاهر وأوان بيعتهم ودخولهم في الايمان ثمّ صاروا باقتضاء العصمة وظهور الولاية آمرين وناهين لأهل مملكتهم ولمن خرج عن مملكتهم بحسب التّكليف الالهىّ والأمر والنّهى الشّرعيّين أخبر عنهم بالمضارع الدّالّ على الاستمرار مسبوقا بكان الدّالّ على انّه كان شأنهم وشغلهم