صفاته الثّبوتيّة الجماليّة الّتى يحمد تعالى عليها هو سعة وجوده واحاطته لكلّ وجود وعدم وكلّ موجود ومعدوم لانّ العدم ثابت له نفسه الّتى هي عدم النفسيّة بالوجود والمعدوم محكوم عليه بالعدم بسبب الوجود وسعة وجوده ليست الّا سعة جملة صفاته وأصل جميع صفاته السلبيّة الجلاليّة الّتى يسبّح تعالى بها هو سلب الحدود عنه تعالى وسلب الحدود راجع الى سلب السّلوب ومصداق سلب السّلوب ليس الّا الوجود وهذا بخلاف الممكنات المحدودات فانّ السّلوب الرّاجعة إليها هي سلوب الوجودات الّتى هي منتزعة من حدود وجوداتها لا من نفس وجوداتها فسبحان من لا يحمد الّا على ما يسبّح به ولا يسبّح الّا بما يحمد عليه ولذلك كان قلمّا ينفكّ ذكر التّسبيح عن صريح الحمد أو معناه في الكتاب والسنّة والمراد إنشاء الحمد بهذه الكلمة أو الاخبار بمحموديّته تعالى ولمّا كان الله اسما للذّات باعتبار ظهوره والذّات متّحدة مع جميع الصّفات الحقيقيّة وظهور الذّات ظهور لتلك الصّفات كان الكلام في قوّة ان يقال : الحمد للذّات الجامعة لجميع صفات الكمال لجمعها جميع صفات الكمال.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) قرء بكسر الباء وفتحها من ربّه بمعنى ملكه أو جمعه أو ربّاه أو أصلحه أو صاحبه أو لزمه والكلّ مناسب ، والربّ صفة مشبّهة أو اسم فاعل مخفّف رابّ أو مصدر أقيم مقام اسم الفاعل ، والعالم من العلم أو من العلامة مثل الخاتم بمعنى ما يعلم به ويطلق على ما سوى الله جملة وعلى كلّ مرتبة من مراتب ما سوى الله ، وعلى كلّ نوع من أنواع الموجودات ، وعلى كلّ فرد من افراد الإنسان كأنّه اعتبر في إطلاقه اجتماع أمور مع نحو اتّحاد بينها وجمعه بالواو والنّون على خلاف القياس وربوبيّته تعالى ليست كربوبيّة الملّاك للاملاك ولا كربوبيّة الاباء للأولاد ، ولا كربوبيّة النّفس للأعضاء ، بل كربوبيّة النّفس للقوى من حيث انّها تكون محصّلة للقوى ومقوّمة لها وحافظة ومبلّغة لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة فانّ الله تعالى مفيض الوجود على العالمين وحافظ ومقوّم لها ومبلّغ لها الى كمالاتها الاوّليّة والثّانويّة ولذلك عقّبها بقوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ليكون تفضيلا لها وقد مضى تحقيق الصّفتين وجعلهما هاهنا صفتين لله يشعر بجعلهما في التّسميّة صفتين لاسم الله ليكون تأسيسا واشارة الى انّ القارى ينبغي ان يكون في قراءته مرتقيا من النّظر الى الأسماء والاتّسام بها وتوصيفها بصفات الله الى النّظر الى الذّات وتوصيفها بصفاتها حتّى يتحقّق في حقّه امتثال امر : اقرء وارق.
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قرء مالك على وزن الفاعل بالجرّ والاضافة وبالنّصب والاضافة وبالرّفع والاضافة وبالرّفع منوّنا ، وقرء ملك بفتح الميم وكسر اللّام بالجرّ والنّصب والرّفع والاضافة ، وقرء ملك بإسكان اللّام تخفيفا ، وقرء ملك على لفظ الفعل ، ومالكيّته تعالى للأشياء ليست كمالكيّة الملاك لاملاكهم ولا كمالكيّة الملوك لممالكهم ولا كمالكيّة النّفوس لاعضائها بل كمالكيّة النّفوس لقويها وصورها العلميّة الحاصلة الحاضرة عندها يفنى ما شاء منها ويوجد ما شاء ويمحو ويثبت ، وتخصيص مالكيّته تعالى بيوم الدّين للاشارة الى الارتقاء الّذى ذكرنا فانّ الإنسان ما بقي في عالم الطّبع والبشريّة لم يظهر عليه مالكيّته تعالى وإذا ارتقى الى اوّل عالم الجزاء وهو عالم المثال ظهر عليه انّه تعالى مالك للأشياء كمالكيّته لصوره العلميّة وقواه النّفسيّة فالمعنى ظاهر مالكيّته يوم الدّين سواء كان المراد ظاهر مالكيّته للأشياء أو لنفس يوم الدّين ولمّا كان الواصل الى يوم الجزاء حاضرا بوجه عند مالكه قال تعالى بطريق التّعليم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) يعنى ينبغي للقاري ان يرتقى الى مقام الحضور ويشاهد الحقّ تعالى في مظاهره تعالى فيرى انّه ما كان مالكا لشيء من أمواله وأفعاله وأوصافه وذاته وانّ الله كان هو المالك للكلّ بالاستحقاق فيقع في مقام الالتجاء ويخاطبه بلسان حاله وقاله