ولسان ذاته وجميع جنوده وقواه ويظهر عبوديّته ورقّيته له تعالى بنحو حصر العبوديّة فيه فانّ مقام الحضور يقتضي التضييق في العبوديّة بحيث لا يبقى للحاضر مجال النّظر الى غير المعبود الم تنظر الى قوله تعالى (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) من غير ذكر عبادة فيه فضلا عن حصر العبادة فيه تعالى ، والى قوله تعالى (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) بذكر العبادة وحصرها فيه تعالى ، فانّ مقام الغيبة لا يكون فيه عبادة ولو فرض عبادة لم يكن الّا للاسم لا لله فضلا عن الحصر فيه تعالى ، وفي مقام الحضور لا يكون غير العبادة ولا تكون العبادة الّا لمن حضر لديه ولذلك قال تعالى في موضع آخر (وَاعْبُدُوا اللهَ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) ويكون المقصود من إظهار العبادة والحصر في الله تعالى تمهيدا لطّلب الاعانة منه ويقول بطريق الحصر نفعل فعل العبيد لك لا لغيرك أو نصير عبيدا لك لا لغيرك و (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في دوام الحضور عندك وعدم الخروج من هذا المقام والبقاء على عبوديّتك وفي جملة الأمور سوى هذا ، وإذا بلغ السّالك في قراءته الى مقام الحضور عند ربّه يكون لا محالة يتجاذبه كثرات وجوده ورعايا مملكته وتتقاضى منه قضاء حاجاتها واحقاق حقوقها فيضطرّ الى الالتفات إليها والى كثرات خارجة من مملكته لاضطرار الحاجة إليها في قضاء حقوق رعاياه ويرى انّه قلّما ينفّك في معاملة الكثرات عن الإفراط والتفريط وهما مانعان عن مقام الحضور ولذّة الوصال فيتضرّع على ربّه ويسأله الإبقاء على لذّة الوصال عن الاشتغال بالاغيار ويقول (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) في معاملاتنا مع أهل مملكتنا والكثرات الخارجة من مملكتنا بالتّوسط بين افراط التنصّر وتفريط التّهوّد فانّ الإفراط وهو التّجاوز عن الطّريق بعد الوصول اليه يمنعنا عن مشاهدة جمالك بعد ما منحتنا بها ، والتّفريط أيضا يقصّر بنا عن الحضور لديك. والهداية هي ارائة الطّريق سواء كانت مع الإيصال الى المطلوب أو الى الطّريق أو مجرّدة عنهما ، وسواء عديّت بنفسها أو ب إلى أو باللّام ، والصّراط بالصّاد والسّراط بالسّين والزراط بالزّاء الطّريق وقرء هاهنا بالصّاد والسّين والصّراط الظّاهر ظاهر ومستقيمه معلوم والمستوى منه ما كان في حاقّ الوسط أو مستقيما وقد يقال المستقيم للطّريق الّذى يكون على أقرب الخطوط الى المقصود وهكذا المستوى والطّريق في الحركات الاينيّة هو المسافة بين مبدء الحركة ومنتهاها سواء صارت جادّة وطريقا في الأرض أو لم تصر ، وهكذا الحال في الحركات الوضعيّة ويكون المسافة وحدودها في هاتين الحركتين موجودة قبل الحركة وامّا الحركات الكيفيّة والكمّيّة والجوهريّة فالطّريق فيها وهي مراتب الكيف والكمّ الطّارية على الجسم المتحرّك ومراتب الصّور الجوهريّة المتعاقبة على الجوهر المتحرّك غير موجود لا قبل الحركة ولا بعدها بل هو كالحركة القطعيّة الّتى لا وجود لها لا قبل الحركة ولا بعدها بل وجودها يكون في الذّهن بسبب رسم وصول المتحرّك الى حدود المراتب امرا متّصلا وحدانيّا فيه والموجود من الطّريق فيها هو مرتبة من الكيف أو الكمّ أو الجوهر الّتى وجودها كالحركة التّوسطيّة عين قوّة عدمها وتكونّها عين قوّة تصرّمها ولذلك أشكل الأمر على كثير من أهل النّظر في بقاء موضوع محفوظ في هذه الحركات خصوصا في الحركات الكميّة والجوهريّة بناء على انّ الجسم التّعليمىّ منتزع عن الجسم الطّبيعى وبتبدّله يتبدّل الجسم الطّبيعىّ وبتبدّله يتبدّل الموضوع وهكذا الحال في توارد الصّور الجوهريّة في الحركات الجوهريّة والحقّ انّ الموضوع محفوظ بكمّ ما وصورة ما محفوظين في ضمن الكمّيّات والصّور الواردة بحافظ شخصىّ غيبىّ ومادّة باقيّة بكمّ ما وصورة ما فانّ الاتّصال الوحدانىّ مساوق للوحدة الشخصيّة وكلّ مكوّن من الجماد والنّبات والحيوان متحرّك من اوّل تكوّنه في الكيف والكمّ بل في الصّور الجوهريّة حتّى ينتهى الى كماله اللّائق بنوعه أو شخصه وهذا معنى كون الكون