من الخيانة ، وانزل في كتابه وما كان لنبىّ ان يغلّ (الآية) أو على ما نقل انّ رجلا غلّ بابرة عظيمة من غنائم هوازن يوم حنين فنزلت الآية ، وامّا موصولة على ما قيل : انّ الآية نزلت في غنائم أحد حيث ظنّ أصحاب عبد الله بن جبير انّ الرّسول (ص) يقسم الغنيمة في الغانمين ولم يقسم لهم وظنّوا انّه يقول : من أخذ شيئا فهو له ، أو على ما قيل : انّه قسم المغنم ولم يقسم للطّلائع فنزلت تنبيها للرّسول (ص) على التّسويّة في المغنم ، وسمّى ترك القسمة للطّلائع غلولا وعليهما فالآية معطوفة على ما قبلها (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) الباء للتّعدية أو للمصاحبة والمعنى انّه يأتى به بحيث يعرف النّاس انّه غلّه ليفضح على رؤس الاشهاد ، نسب الى الباقر (ع) انّه قال : من غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النّار ثمّ يكلّف ان يدخل اليه فيخرجه من النّار ، ونقل عن النّبىّ (ص) انّه قال : الا لا يغلّنّ أحد بعيرا فيأتي به على ظهره يوم القيامة ، الا لا يغلّنّ أحد فرسا فيأتي به على ظهره يوم القيامة فيقول : يا محمّد (ص) يا محمّد (ص) فأقول : قد بلّغت قد بلّغت لا أملك لك من الله شيئا ، ولا اختصاص للغلول بالخيانة في الأموال بل كلّ معصية من كلّ عاص نحو غلول مع نفسه أو مع الله (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) يعنى بعد ما أتى من غلّ بما غلّه وجمعوا في القيامة توفّى كلّ نفس مطيعة وعاصية (ما كَسَبَتْ) بعينه على تجسّم الأعمال كما سبق تحقيقه في سورة البقرة عند قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا) أو جزاء ما كسبت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص ثواب أو زيادة عقاب ثمّ بعد ما عمّم حكم الغلول لكلّ من غلّ وبيّن حكم كلّ نفس من المطيعة والعاصية عطف عليه انكار التّسوية بين المطيعة والعاصية ليكون أبلغ في الزّجر عن المعصية والتّرغيب في الطّاعة فقال تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ) الرّضوان بكسر الرّاء وضمّها والرضى مقصورا بالكسر والضمّ مصدرا رضى عنه وعليه والرّضاء بكسر الرّاء ممدودا مصدر راضاه ، واتّباع رضوان الله لا يكون الّا باتّباع امر الله ونهيه بالفعل والتّرك ، ولا يكون الّا باتّباع الرّسول (ص) في امره ونهيه (كَمَنْ باءَ) رجع الى الله (بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ) بترك ما أمر به وفعل ما نهى عنه (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) جهنّم.
الفرق بين المصير والمرجع انّ المصير ما ينتهى اليه مع تغيّر عمّا هو عليه والمرجع مطلق عن ذلك ولمّا كان المتحقّق برضوان الله عليّا (ع) والمتحقّق بسخط الله كلّ من خالفه صحّ تفسير التّابع لرضوان الله بالتّابع لعلىّ (ع) والبائى بسخط الله بمن اتّبع مخالفه.
تحقيق كون المؤمنين درجات وذوي درجات
(هُمْ دَرَجاتٌ) اى التّابعون رضوان الله والبائون بسخط الله درجات (عِنْدَ اللهِ) وان كانوا يرون متساوين عند النّاس ، ولمّا كان عالم الأرواح الطيّبة عالما وسيعا ذا مراتب ودرجات وكذلك عالم الأرواح الخبيثة الّذى فيه الجحيم وآلامها ، وكلّ من اتّصل بواحد من هذين العالمين تحقّق بمرتبة منه وليس المتّصلون بعالم الأرواح الطيّبة متساوين في المرتبة والدّرجة ولا المتّصلون بعالم الأرواح الخبيثة بل لكلّ واحد مرتبة ودرجة ليست لغيره ممّن لم يكن بشأنه ، نعم ، إذا كان جماعة متوافقين في الطّاعة والسّلوك أو في المخالفة والمعصية من جميع الجهات كانوا متوافقين في المرتبة والدّرجة وكلّ من اتّصل بدرجة من درجات الجنان أو بدركة من دركات النّيران كان متّصلا بالدّرجات السّابقة أو الدّركات السّابقة ، وكلّ من اتّصل بدرجة صار متحقّقا بتلك الدّرجة فصحّ ان يقال : انّ المؤمنين بحسب عدد أشخاصهم درجات يعنى كلّ منهم درجة من الجنان ، وان يقال : كلّ واحد منهم بحسب سعة وجوده درجات من الجنان ، وانّ المعذّبين بحسب عدد أشخاصهم دركات ، وكلّ واحد