(وَعَلى جُنُوبِهِمْ) قد مرّ بيان للذّكر واقسامه وشطر من الاخبار في اوّل البقرة عند قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ،) وفي هذه الآية دلالة على حسن ذكر الله على كلّ حال ولا بأس بذكر الله في كلّ حال وفي خبر : لا بأس بذكر الله وأنت تبول ، وفي خبر عن النّبىّ (ص): من احبّ ان يرتع في رياض الجنّة فليكثر ذكر الله ، وفي خبر : ذاكر الله في الغافلين كالمقاتل في الغازين ، وفي خبر عن النّبىّ (ص) يقول الله تعالى : انا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت به شفتاه ، وفي خبر : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله تعالى من ذكر الله ، قالوا : يا رسول الله (ص) ولا الجهاد في سبيل الله؟ ـ قال (ص) ولا الجهاد في سبيل الله ولا ان تضرب بسيفك حتّى تقطّع ، ثمّ تضرب به حتّى تقطّع ثلاثا ، وفي حديث قدسيّ : يا موسى (ع) لو انّ السّماوات السّبع وعامريهن عندي والأرضين السّبع في كفّة ولا اله الّا الله في كفّة مالت بهنّ ، وفي قدسيّ آخر : إذا كان الغالب على عبدي الاشتغال بى جعلت همّه ولذّته في ذكرى ، وإذا جعلت همّه ولذّته في ذكرى عشقنى عشقته ، وإذا عشقته رفعت الحجاب بيني وبينه ، لا يسهو إذا سهى النّاس ، أولئك كلامهم كلام الأنبياء ، أولئك الإبدال حقّا ، أولئك الّذين إذا أردت باهل الأرض عقوبة أو عذابا ذكرتهم فيهم فصرفته بهم عنهم ، وفي قدسيّ آخر : ايّما عبد اطّلعت على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسّك بذكرى تولّيت سياسته وكنت جليسه ومحادثه ، ونسب الى أمير المؤمنين (ع) انّه قال : انّ الله يتجلّى على عباده الذّاكرين عند الذّكر وعند تلاوة القرآن من غير ان يروه ويريهم نفسه من غير ان يتجلّى لهم لانّه اعزّ من ان يرى وأظهر من ان يخفى فتفرّدوا بالله سبحانه واستأنسوا بذكره ، ونسب اليه (ع) في هذه الآية انّه قال : الصّحيح يصلّى قائما والمريض يصلّى جالسا ، وعلى جنوبهم الّذى يكون أضعف من المريض الّذى يصلّى جالسا.
بيان الفكر ومراتبه
(وَيَتَفَكَّرُونَ) الفكر والتّفكّر والنّظر هو الانتقال من المعلوم الحاضر الى المجهول كما انّ الفقه هو العلم الدّينىّ الّذى ينتقل منه الى علم آخر والعلم عندهم ليس الّا بهذا المعنى كما انّ الفكر عندهم هو السّير من المبادى المعلومة الى المقاصد المطلوبة للإنسان اى المقاصد النّافعة في الآخرة ، والفكر بهذا المعنى من اجلّ العبادات وأعظم القربات وفي مدحه بهذا المعنى ورد اخبار كثيرة ؛ منها : تفكّر ساعة خير من عبادة ستّين سنة ، ولهذا الفكر مراتب ودرجات بحسب اختلاف أحوال الأشخاص فمنها التّفكّر في حال الخربة المنظورة والانتقال منها الى فناء بانيها وساكنيها ، ومنه الى فناء نفس المتفكّر الّتى هي مماثلة البانين والسّاكنين ، ومنه الى اعداد النّفس للبقاء بعد الفناء ، ومنه الى لزوم التّوسّل بمن يستعلم منه كيفيّة ذلك الاعداد ، ومنها التّفكّر في خلق بدنه الّذى هو مركب روحه وكيفيّة ارتباط اجزائه واتّصال أركانه بحيث ينتفع منه الإنسان بأبلغ وجه ، ومنها التّفكّر في نفسه وتعلّقها ببدنه بحيث تؤثّر في بدنه وتتأثّر منه مع الانتقال منه الى المصالح والحكم المودعة في انتضاد نفسه وبدنه وقواهما واجزائهما ورجوعها الى غاية هي استكمال نفسه وبدنه وهما السّماء والأرض في عالمه الصّغير ، ومنها ان يتفكّروا (فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في العالم الكبير وكيفيّة ارتباطهما وتأثير السّماوات في الأرض وتأثّر الأرض منها ، وفي وضعهما ووضع كواكب السّماء واختلافها في الصّغر والكبر والضوء ، وفي الحركة بالبطوء والسّرعة والمناطق والشّرقيّة والغربيّة والاستقامة والرّجوع والوقوف ، وفي وضع الأرض بالنّسبة الى مناطق الكواكب بحيث يلزمه طلوعها وغروبها وتعاقب الليالي والايّام وتخالفهما بالكيفيّة والزّيادة والنّقيصة وتعاقب الفصول الاربعة وفي انتفاع