لان يكون حاضرا عند نزوله (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) ممّا يتقلّب فيه الفجّار ، وضع الظّاهر موضع المضمر اشارة الى مديحة اخرى لهم (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) عطف باعتبار المعنى فانّه كما قيل : نزلت آية (لا يَغُرَّنَّكَ) (الى آخرها) في غبطة المسلمين لليهود حيث رأوهم متقلّبين متنعّمين وتوهّموا من ضعفهم انّ لهم خيرا فقال الله : لا يغرنّكم تقلّبهم فانّ ذلك التقلّب متاع قليل وله عاقبة سيّئة فكأنّه قال : انّ بعض أهل الكتاب لمن يكفر بالله ولهم جهنّم وانّ منهم (لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من الكتاب والشّريعة (وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من كتابيهم وشرائعهم (خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) مثل الكفّار منهم ومثل منافقي أمّة محمّد (ص) فهو تعريض بالكفّار من أهل الكتاب وبالمنافقين من أهل الإسلام (أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) اضافة الأجر إليهم تفخيم للأجر كأنّه لا يمكن معرفته الّا بالاضافة إليهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) تفخيم آخر لهم وتعريض بالكفّار والمنافقين (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : انّ للكفّار جزاء بقدر استحقاقهم وبحسب أعمالهم وللمؤمنين جزاء بقدر استعدادهم وأعمالهم ، والنّفوس البشريّة غير متناهية فكيف يحاسب تلك النّفوس وأعمالها وجزاءها؟ ـ فقال : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) لانّه لا يشغله حساب عن حساب ولا يشذّ عن عمله شيء ولا يغيب عنه شيء فيحاسب الكلّ دفعة واحدة في طرفة عين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان العامّ والبيعة العامّة النبويّة أو بالايمان الخاصّ والبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة (اصْبِرُوا) الصّبر حبس النّفس ومنعها عن مقتضاها ، ولمّا كانت مقتضيات النّفس بحسب قواها الدّاخلة ووارداتها الخارجة مختلفة صار أقسام الصّبر مختلفة بحسب المتعلّق وقد جعل الصّبر في الاخبار ثلاثة أقسام : أحدها الصّبر عن المعاصي وهو حبس النّفس عن مقتضى قواها الشّهويّة والغضبيّة والشّيطانيّة من غير اذن وإباحة من الله ، وثانيها الصّبر على الطّاعات وهو حبس النّفس عن الخروج عن مقام التّسليم والانقياد فانّ النّفس بقوّتها الشّيطانيّة تقتضي الاستبداد والانانيّة ، وثالثها الصّبر على المصائب وهو حبس النّفس عن الجزع حين ورود الأمر الغير الملائم عليها لانّها تقتضي الجزع والاضطراب والالتجاء الى غيرها والتماس الدّفع منه عند ورود المنافى عليها إذا لم تتمكّن من دفعه أو من الانتقام له إذا كان ممّا ينتقم له ولمّا كانت الآيات ذوات وجوه بحسب اللّفظ وبحسب المعنى وكانت الائمّة (ع) يفسّرون الآيات بالوجوه المناسبة لمقامات الكلام بحسب أحوال الأشخاص فسّروا الآية بوجوه مختلفة كما سنشير إليها (وَصابِرُوا) من المصابرة بمعنى حمل كلّ واحد كلّا على الصّبر على المصائب أو على الطّاعات أو عن المعاصي أو بمعنى المغالبة في الصّبر اى صابروا عدوّكم في الغزاء فانّكم اولى بالصّبر والثّبات في الجهاد منهم حيث ترجون من الله ما لا يرجون ، أو صابروهم على التّقيّة ، أو على الفتنة ، وقد أشير الى كلّ في الخبر كما فسّر اصبروا في الخبر بالصّبر على الفرائض والصّبر على المصائب ، وعلى الدّين ، وعن المعاصي ، بحسب اختلاف أحوال السّائلين والمخاطبين وكثرة وجوه القرآن وجواز ارادة كلّ منها بحسب اقتضاء المقام كما أشرنا اليه (وَرابِطُوا) المرابطة في الظّاهر ملازمة ثغر العدوّ أو ان يربط كلّ من الفريقين خيولهم في ثغره أو المراد بها الاتّصال بالإمام بالبيعة الخاصّة الولويّة ، أو بالتبعيّة والانقياد في الأحكام ، أو الاتّصال بملكوت الامام ، أو المراد انتظار الصّلوة بعد الصّلوة كما أشير الى كلّ في الاخبار ، وقد فسّرت المرابطة في اخبار كثيرة بالمرابطة على الامام مع اختلاف يسير في اللّفظ ، وقد استشهد الصّوفيّة بأمثال هذه الآية على ما قالوه انّ السّالك