جزء من اوّل كلّ سورة والأمر بها في اوّل كلّ امر اشارة الى انّ الفاعل لكلّ فعل وخصوصا عند تلاوة القرآن الّذى هو كلام الله ينبغي ان يسم نفسه بسمة من سمات الله حتّى يصير لسانه وسائر أعضائه آلات لتلك السّمة وكلامه وأفعاله كلاما وافعالا لذلك الاسم فيصحّ جعلها لله فانّها ان لم تكن من الله لم تكن لله ولو لم يسم نفسه بسمة من سمات الله صار متّسما بسمة من سمات نفسه وسمات الشّيطان فصارت أعضاؤه آلات للشّيطان فكان افعالها افعالا صادرة من الشّيطان وراجعة اليه وصار القارى والفاعل ممّن يلوون ألسنتهم بالكتاب وممّن قال الله فيهم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) لا بيد الله ثمّ ينظر الى سعة ظهوره تعالى بصفاته في كلّ سمة من سماته فينظر الى جملة إضافاته تعالى الظّاهرة من تلك السّمة بالنّسبة الى أهل مملكته ان كان قاصرا عن رؤية إضافاته بالنّسبة الى خارج مملكته فيصفها بأمّهات إضافاته تعالى وهي رحمته الرّحمانيّة الدّالة على الإبداء والإبقاء ورحمته الرّحيميّة الدّالة على الاعادة وافاضة الكمالات الاختياريّة الانسانيّة حتّى يستعدّ بذلك التّوصيف للنّظر الى الله تعالى وتوصيفه بصفاته في حمده وثنائه بدون وساطة سماته وتختلف السّمات بحسب اختلاف حال القارى والمتّسم فتلك السّمة بالنّسبة الى المنقادين القابلين للولاية الغائبين عن الله وعن امامهم هي جهة النّفس المنقادة لولىّ أمرها وهي المقوّمة والرّازقة المبقية بالنّسبة الى أهل مملكتها والمفيضة لكمالاتها الاختياريّة وبالنّسبة الى من عرف ووجد انموذجات أسمائه تعالى في وجوده تلك الانموذجات وبالنّسبة الى من حضر عند شيخة ووجد مثال شيخة في مملكته هي صورة شيخة وهو اوّل مقامات المعرفة بالنّورانيّة ، وبالنّسبة الى من خرج من مقام التقدّر وعاين الأشياء مجرّدة عن التقدّر روحانيّة شيخة مجرّدة عن التقدّر ، وبالنّسبة الى من خرج عن مقام التحدّد والتقييدات الامكانيّة مقام الإطلاق المعبّر عنه بالمشيّة وبالنّسبة الى الجامع لجميع المقامات سمات تمام المقامات وبعد الاستعداد للنّظر الى الذّات من غير احتجاب بحجب السمات ينبغي للقاري ان يجرّد النّظر عن الأسماء وينظر الى الله في كلّ شيء وفيء ، ولا يرى من الأشياء الّا الحدود والنقائص ولا يرى صفات الكمال الّا من الله ، ويطلق لسانه بصيغة الحمد إنشاء أو اخبارا بنحو حصر المحامد أو الحامديّة أو المحموديّة فيه تعالى ، ويصفه بربوبيّته الّتى هي حفظ الأشياء بكمالاتها الموجودة وتبليغها الى كمالاتها المفقودة وهكذا الى آخر السورة بنحو ما ذكر سابقا.
ثمّ اعلم انّ للسّالكين الى الله أسفارا ومنازل ومقامات ومراحل لا يحصيها الّا الله وقد قالوا انّها بحسب الامّهات منحصرة في أربعة اسفار ، الاوّل ، السّفر من الخلق الى الحقّ وهو السّير من حدود الكثرات والنّظر إليها الى الحقّ الاوّل ، ومنتهى هذا السّفر الوصول الى حدود القلب ومشاهدة الحقّ الاوّل في مظاهره بصفاته وأسمائه ، ولا ينفكّ السّالك في هذا السّفر من العنا وكلفة التّكليف وفي حقّ هذا السّالك قال المولوى قدسسره :
جمله دانسته كه اين هستى فخ است |
|
ذكر وفكر اختياري دوزخ است |
والثّانى ، السّفر من الحقّ في مظاهره الى الحقّ المطلق وفي هذا السّفر يتبدّل الكلفة راحة والمرارة لذّة والخوف أمنا ، وفي هذا السّفر ورطات مهلكات كما سيجيء. والثّالث ، السّفر بالحقّ في الحقّ ، وفي هذا السّفر يسير السّالك بتسيير الحقّ من غير شعور منه بسيره ولا بذاته ، والسّلّاك في هذا السّفر أحد مصاديق قوله تعالى انّ أوليائي تحت قبابى لا يعرفهم غيري والرّابع ، السّفر بالحقّ في الخلق وابتداء هذا السّفر ابتداء الرّبوبيّة وانتهاء العبوديّة ومقامات هذا السّفر لا يحصيها الّا الله وتحديد عدد الأنبياء (ع) والأوصياء (ع) بمائة واربعة وعشرين ألفا اشارة الى أمّهات تلك المقامات وسيجيء تحقيق تامّ لبيان الاسفار ومراتب الإنسان عند