وهم أخبروا بنى إسرائيل انّى سأنزله عليك يا محمّد (ص) باعتبار انّ القرآن هو الكتاب الجامع لصور جميع شؤن تلك الحقائق ، وهذا الخبر يدلّ على جعل ذلك الكتاب خبرا لآلم وقد سبق ، أو خبرا لمحذوف ولم نذكره في الوجوه السّابقة ؛ وتفسيره بمحمّد (ص) أو عليّ (ع) باعتبار انّهما متحقّقان بتلك الحقائق ، وتفسيره بالرّسالة أو النبوّة أو الولاية باعتبار ظهور تلك الحقائق بجميع شؤنها أو ببعضها فيها وكذلك تفسيره بالصّدر والقلب والرّوح من حيث انتقاشها بصور تلك الحقائق ، وما ورد من تفسيره بكتاب عليّ (ع) يمكن ان يراد به مكتوب كتبه علىّ (ع) بعلويّته فانّ جملة ما سوى الله مكتوب علويّة علىّ (ع) ، وان يراد به كتاب نزل من الله على محمّد (ص) في عليّ (ع) وخلافته ، وان يراد كتاب هو علىّ (ع) على ان يكون الاضافة بيانيّة. وروى عن الصّادق (ع) انّ الكتاب علىّ (ع) لا شكّ فيه.
تحقيق الكتاب ومصاديقه
ولفظ الكتاب مصدر يطلق على ما من شأنه ان ينطبع بنفسه كالصّور المنطبعة في الموادّ أو بصورته كالألفاظ المنطبعة بصورها الكتبيّة في شيء آخر وعلى الصّورة المنطبعة وعلى ما يرتسم فيه الصّور باعتبار ارتسام الصّور فيه فالالفاظ الموضوعة لارتسام صورها في الصّحائف والصّور المكتوبة والصّحائف المرتسمة فيها الصّور تسمّى كتابا ، والصّور الطبيعيّة والموادّ المنطبعة فيها الصّور تسمّى أيضا كتابا ، والنّفوس الحيوانيّة والنّفوس الانسانيّة والفلكيّة ومحالّها كتاب ، والنّفوس المتعلّقة بالأجساد المثاليّة والأجساد المثاليّة كتاب ، والصّور العلميّة الحاصلة في النّفوس السّفليّة أو العلويّة ونفس تلك النّفوس من حيث حصول العلوم فيها كتاب ، والرّذائل والخصائل الحاصلة في النّفوس ؛ ونفس تلك النّفوس من حيث حصول الأخلاق فيها كتاب ، والعلوم الفائضة على العقول والعقول كتاب ، والأسماء الالهيّة ولوازمها الظّاهرة في مقام الواحديّة والفيض المنبسط الّذى هو محلّ ظهور الأسماء والصّفات كتاب ، والتعيّنات الامكانيّة والوجودات المتعيّنة بتلك التعيّنات كتاب ، كما قيل بالفارسيّة :
بنزد آنكه جانش در تجلّى است |
|
همه عالم كتاب حق تعالى است |
وقد كثر اطلاق الكتاب في الآيات والاخبار على مراتب وجود العالم ، وعلى بنى آدم ، وعلى الصّدر المستنير بنور الرّسالة ، وعلى أحكام الرّسالة ، وعلى القلب المستنير بنور النّبوّة ، وعلى احكام النّبوّة ، وعلى الرّوح المستنير بنور الولاية ، وعلى آثار الولاية.
تحقيق معنى الكلام
والكلام مصدر لم يستعمل فعله لانّ كلم مجرّدا لم يستعمل في معنى التكلّم بل استعمل من باب قتل وضرب بمعنى جرح والمستعمل بمعنى التّكلّم كلّم من باب التّفعيل وتكلّم من باب التفعّل وكالم من المفاعلة وتكالم من التفاعل ، وقيل هو اسم مصدر بمعنى التّكلّم لكنّه في العرف العامّ صار اسما للحاصل بالتّكلّم وفي عرف النحاة صار اسما للمركّب المفيد من الكلمات.
الفرق بين الكتاب والكلام
والفرق بين الكتاب والكلام بالنّسبة الى ما صدر من المبادئ العالية اعتبارىّ محض فانّ الفيض المقدّس المسمّى بفعل الحقّ تعالى وإضافته الاشراقيّة ونفس الرّحمن ومشيّته باعتبار ظهور الصّفات والأسماء ولوازم الأسماء به إذا لو حظ نسبته الى الحقّ الاوّل تعالى وقيامه به قيام الفعل بالفاعل كان كلاما ومتكلّميّة له تعالى ، وإذا لو حظ شيئيّته في نفسه ومغايرته له تعالى وبينونته منه كان كتابا له تعالى ، وهكذا الحال في العقول والنّفوس وعالم المثال وعالم الطّبع فانّها بالنّسبة اليه تعالى كلام وكتاب بتوسط المشيّة الّتى هي من الله كنفس الإنسان من الإنسان ، ومن مراتب الممكنات كنفس الإنسان من مخارج الحروف ولذا سميّت بنفس الرّحمن ، وكلّ مرتبة من مراتب الوجود بالنّسبة