تحقيق معنى الهداية
(هُدىً) الهدى كالتّقى مصدر بمعنى اراءة الطّريق مصاحبة للايصال اليه أو الى المقصود ، أو غير مصاحبة سواء عدّى الى المفعول الثّانى بنفسه أو باللّام أو بلفظ الى ، وسواء كانت الهداية من الله أو من الخلق ، وسواء تعلّقت بنفس الطّريق أو بالمقصود ، وامّا الهداية من الله إذا تعلّقت بشيء اىّ شيء كان مطلقة عن المهدىّ اليه فالمراد هدايته الى طريق كماله المطلوب منه ، والكمال المطلوب من الإنسان هو حصول الولاية المطلقة ثمّ النّبوّة المطلقة ثمّ الرّسالة المطلقة ، وطريقه الى هذا الكمال هو طريقه من نفسه الانسانيّة الّتى يعبّر عنها بالصّدر منشرحا بالكفر أو بالإسلام ، أو غير منشرح بشيء منهما الى قلبه ومنه الى روحه وهكذا الى الولاية المطلقة ، ولمّا كان هذا الطّريق مختفيا عن الأبصار مسدودا بالتّعيّنات النّفسيّة وكان المرور عليه اختياريّا والإنسان في بيداء النّفس ضالا في بدو حاله ظانّا انّ الكمال المطلوب منه هو الوصول الى المشتهيات النّفسيّة واستكمال القوى الحيوانيّة والشّيطانيّة مبغضا لما سوى مظنونه اقتضت الحكمة البالغة الالهيّة والرّحمة التّامّة الرّبوبيّة ان يبعث الى النّوع من ينبّههم عن ضلالهم ، وانّ ما وراء مظنونهم هو الكمال المطلوب منهم ، وانّ ما ظنّوه كمالا سموم مهلكة وشبّاك الشّيطان ، وانّ في الوادي سباعا مترصّدة ضلالهم مغتنمة ضياعهم ، ويحذّرهم عن الوقوف فيه وعن ترصّد السّباع لهم وعن حبائل الشّيطان حتّى يتنبّهوا ويأخذوا حذرهم ويتأهبّوا للخروج منه ويطلبوا الطّريق ومن يدلّهم عليه ؛ حتّى يبعث بعد ذلك عليهم من يرفع موانعهم بالرّفق ويريهم طريق كمالاتهم ويذهب بهم الى غاياتهم ، وتلك الاراءة وهذا الاذهاب تسمّى هداية ، والرّسول وخليفته لمّا كان كلّ منهما ذا شأنين شأن الرّسالة وبه يقع التّنبيه والإنذار المذكوران ، وشأن الولاية وبه يقع الاذهاب والاراءة المزبوران كان كلّ منهما بوجه منذرا وبوجه هاديا ، وحصر شأن الرّسول في الإنذار في قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ؛) مع انّه امام في الكلّ للاشارة الى شأن الرّسالة وانّ المخاطب هو الرّسول بما هو رسول لا بما هو ولىّ أو نبىّ ، والّا فهو بولايته صاحب الهداية المطلقة وكلّ الهادين مقتبسون منه ، وبنبوّته صاحب الشأنين فالرّسول بما هو رسول منذر والولىّ بما هو ولّى هاد ، والنّبيّ صاحب الشأنين والهداية من الله لا تتعلّق الّا بمن أنذر واتّقى فاذا أخذ هدى هاهنا مطلقا بحسب اللّفظ أو مقيّدا بقوله للمتّقين كان المقصود واحدا.
تحقيق معنى التقوى ومراتبها
والتّقوى والتّقى والتّقاة مصادر من الوقاية وإذا نسبت الى الله أو الى سخطه أو الى المحرّمات أو أطلقت فالمراد منها التّحفّظ عمّا ينافي أو يضرّ حصول الكمالات أو الكمالات الحاصلة الانسانيّة ؛ ولها مراتب عديدة بعضها قبل الإسلام ، وبعضها بعد الإسلام وقبل الايمان ، وبعضها بعد الايمان بمراتبها الى الفناء التامّ الذّاتىّ ، فاولى مراتبها الانزجار عن مساوي النّفس ودواعيها المنافية للعاقلة وهي مقام الاستغفار ، وثانيتها الانصراف عنها وطلب الخلاص منها بالفرار وهي مقام التّوبة ، وثالثتها الرّجوع في الفرار الى خلفاء الله ووسائله بينه وبين خلقه وهي مقام الانابة ؛ وهذه الثّلاثة مقدّمة على الإسلام وإليها أشار تعالى بقوله حكاية عن قول بعض أنبيائه مع أممهم : (يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ :) وتقييد التّوبة بقوله «اليه» اشارة الى المرتبة الثالثة ، وإذا أسلم الإنسان على يد نبىّ (ص) أو خليفته (ع) وقبل منه احكامه القالبيّة من أوامره ونواهيه حصل له مرتبة رابعة من التّقوى الّتى هي التّحفّظ عن مخالفة قوله بامتثال أوامره ونواهيه ، والخامسة الانزجار عن الوقوف على ظاهر الأوامر وطلب بواطنها وروحها وطلب من يدلّه على بواطنها ، وهاتان بعد الإسلام وقبل الايمان ؛ وهذه التّقوى هي تقوى العوامّ وتنقسم بوجه الى تقوى العوامّ من الحرام ، وتقوى الخواصّ من الشبهات ، وتقوى الاخصّ من المباح ، وإذا وجدي الطالب