من يدلّه على روح الأعمال وتاب على يده توبة خاصّة وآمن بالبيعة الخاصّة الولويّة واستبصر بباطنه وبرذائله وخصائله حصل له مرتبة أخرى من التّقوى وهي التّحفّظ من الرّذائل باستكمال الخصائل ، وإذا تطهرّ قلبه من الرّذائل وتحلّى بالخصائل تمثّل امامه ودخل بيت قلبه وحينئذ يشاهد في وجوده فاعلا الهيّا وفاعلا شيطانيّا فيظنّ انّ في الوجود الهين فيقع في ورطة الإشراك والثّنويّة ويرى وجودا لنفسه ووجودا لشيخه داخلا في مملكته فيظنّ انّه حالّ في وجوده فيقع في ورطة الحلول ، أو يرى وجودا واحدا هو ذاته وامامه فيقع في ورطة الاتّحاد ، وان ساعده التّوفيق واتّقى نسبة الأفعال الى الشّيطان ورأى الفعل مطلقا من الرّحمن في المظهر الإلهيّ أو الشّيطانىّ وحصّل ووجد معنى لا حول ولا قوّة الّا بالله والتذّ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى هي التحفّظ من نسبة الأفعال الى غير الله والخروج من الإشراك الفعليّ الى التّوحيد الفعلىّ ، وإذا تفطّن بانّ الأوصاف الوجوديّة كالافعال نسبتها الى الله بالصّدور والوجوب والى غيره تعالى بالظّهور والقبول ؛ وانّ الكلّ مظاهر أوصاف الله وحصّل ووجد معنى الحمد لله والتّذ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى هي التحفّظ عن رؤية نسبة الأوصاف الى غيره تعالى.
بيان سرّ ظهور بعض الشطحيّات من السّلاك
وفي هذه المرتبة قد يتجلّى الله على المؤمن بصفة الواحديّة فلا يرى لشيء ذاتا ولا صفة مع بقاء انانيّة ما لنفسه فيقع في ورطة الوحدة الممنوعة ، ويظنّ انّ الوجود واحد والموجود واحد وبعد الافاقة يعتقد ذلك ويتفوّه به ويقع في الاباحة والإلحاد لو لم يكن له شيخ أو لم يرجع الى شيخة ولا يعدّ الرّسل وشرائعهم حينئذ في شيء بل يستهزئ بهم وبها ، وقد يتجلّى بصفة الصّمديّة عليه فيظهر الانانيّة منه والاستغناء من كلّ شيء حتّى من الله وهكذا ، ففي هذه المرتبة من التّقوى والمرتبة السّابقة ورطات مهلكة وعقبات موبقة ان لم يكن المؤمن في تربية شيخ أو لم يرجع اليه واستغنى منه أعاذنا الله وجميع المؤمنين منها وفي هاتين المرتبتين يظهر جميع ما يظهر من السّلاك من الشّطحيّات الممنوعة ؛ وأكثر الغالين نشأ غلوّهم من هاتين المرتبتين ، وأكثر المتشيّخة المغرورين من هاتين استدرجوا وهلكوا من حيث ظنّوا انّهم وصلوا واستغنوا عن الشيخ المكمّل والحال انّهم في هذه الأحوال أشدّ احتياجا منهم الى الشيخ في غير هذه الأحوال ، وبالجملة مهالك مراتب التّوحيد الفعليّ والوصفىّ الى الخروج الى التّوحيد الذّاتىّ أكثر من ان يحيط بها البيان أو يحصيها تحرير الأقلام ، وإذا تفطّن بأنّ المتحقّق بالذّات هو الحقّ الاوّل تعالى شأنه وانّ سائر مراتب الوجود اعتبارات محضّة وتعيّنات اعتباريّة ناشئة من مراتب سعة تلك الحقيقة وانقلب بصره فلا يرى في دار الوجود الّا الوجود الحقّ المنزّه عن كلّ تعيّن واعتبار وحصّل ووجد معنى لا اله الّا الله بل معنى لا هو الّا هو ، والتّذ به حصل له مرتبة أخرى من التّقوى وهي آخر مراتب التّقوى فانّه لا يبقى للسّالك بعد هذه عين ولا اثر حتّى يتصوّر له فعل ووصف وتقوى ، فان أدركته العناية الالهيّة بموهبة البقاء بعد الفناء والصّحو بعد المحو وشهود الحقّ في الخلق والتشبّه بالرّحمن بإعطاء الله له فضيلة الإحسان لتكميل العباد وتكثير جنوده عوضا لما أقرض الله من الجنود والأعوان في جهاد الأعداء في سبيله تمّ له السّلوك وصار نبيّا أو خليفته ، ولمّا لم يكن مراتب التّقوى الّتى قبل الإسلام من مراتب حقيقة التّقوى لانّ الإنسان ما لم يدخل في دين الإسلام ولم يتعلّم ما يضرّه في تحصيل كماله من عالم وقته لا يدرى اىّ شيء يضرّه حتّى يتّقى منه ، ولمّا كان المراتب الباقيّة منقسمة الى ثلاثة أقسام ؛ التّقوى الّتى بعد الإسلام وقبل الايمان ، والّتى بعد الايمان وقبل التّقوى عن نسبة الصّفات الى غير الله تعالى ، والتّقوى عن رؤية صفة وذات غيره تعالى أسقط التّقوى الّتى قبل الإسلام وذكر الأقسام الثلاثة الباقية في قوله تعالى :