بتركه علمه واتّباعه الهوى وطول الأمل. ونسب الى النّبىّ (ص) انّه قال العلم علمان فعلم في القلب ؛ اشارة الى الجهة العلميّة من المدركات فذلك النّافع ، وعلم على اللّسان ؛ اشارة الى الجهة الجهليّة فذاك حجّة الله على ابن آدم ، ولشرافة الجهة العلميّة ولطافتها وسرعة اختفائها تحت الجهة الجهليّة من المدركات أمروا بدقّة النظر في العلم وفيمن يؤخذ منه فانّ المدركات إذا أخذت من صاحبي الجهل لا يستنير صاحبها بنور العلم ولا يظهر له جهتها العلميّة فانّ من أخذ العلم من اهله وعمل به نجا ؛ كما في الخبر ، ويفيد بمفهومه انّ من لم يأخذه من اهله أو لم يعمل به لم ينج. وقال الباقر (ع) في بيان قوله تعالى (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) علمه الّذى يأخذه عمّن يأخذه ، والاخبار في أخذ العلم من اهله والاحتراز من اخذه من غير اهله كثيرة فانّ المدركات يمكن أخذها من الصّحف ومن الرّجال عالمين كانوا أم جاهلين بالجهل المشابه للعلم ؛ كافرين كانوا أم مؤمنين ، لكن الاتّصاف بجهتها العلميّة لا يحصل الّا إذا أخذ المدركات ممّن كان متّصفا بجهتها العلميّة.
قال البارع في العلم العلّامة الحلّى رضوان الله عليه في اوّل تحريره : ولكلّ علم اسرار لا يطّلع عليها من الكتب فيجب اخذه من العلماء ولهذا قال (ع): خذ العلم من أفواه الرّجال ، ونهى عن الأخذ ممّن أخذ علمه من الدّفاتر فقال (ع): لا يغرنّكم الصّحفيون. وقيل للباقر (ع) انّ من عندنا يزعمون انّ قول الله (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) انّهم اليهود والنّصارى قال إذا يدعونكم الى دينهم. والحاصل انّ النفوس البشريّة خلقت قابلة سريعة التأثّر كالمرآة الصّافية القابلة للصّور فاذا أخذت المدركات من صاحبي الجهل تكيّفت بجهلهم ولم تدرك من المدركات إلا الجهة الجهليّة ، وإذا أخذت المدركات من صاحبي العلم تكيّفت بكيفيّة علمهم ولم تدرك من المدركات الّا الجهة العلميّة منها ، فالحذر الحذر عباد الله من الجهّال المتلبّسين بلباس أهل العلم المتشبّهين في مدركاتهم باهل العلم.
وقد ذكر في الاخبار علامات وآثار كثيرة للعلم والجهل وللعلماء الحقّة وللعلماء السّوء وللعالم والمتكلّف ولطلب العلم للدّنيا ولطلبه للآخرة وللعلم الدّنيوىّ وللعلم الاخروىّ فلينظر العالم والمتعلّم الى الاخبار ولينظر الى علومهما وتعلّماتهما وانّها من اىّ صنف ؛ فان كانت من قسم الجهالات والعلوم الدّنيويّة فليتضرّعا الى الله وليسئلا منه ان يطهّر قلوبهما منها. وان كانت من قسم العلوم فليبتهلا الى الله ان يزيدها ولا يسلبها منهما ، ولينظر المتعلّم الى من يأخذ العلم منه حتّى لا يشتبه الأمر عليه ويأخذ المدركات من جاهل بظنّ انّه عالم.
الفصل الثّالث
في انّ العلم كلّما ازداد ضعفت الانانيّة ، والجهل كلّما ازداد زادت الانانيّة
اعلم انّ الإنسان واقع بين داري الرّحمن والشّيطان ، ولنفسه وجه الى الله ويقال له وجه الرّبّ ووجه الى الشّيطان ويقال له وجه النّفس اى انانيّته ، ولا يكون رؤية الوجود من النّفس ونسبته إليها الّا بهذا الوجه وهذان الوجهان للنّفس هما الاخرة والدّنيا اللّتان هما الضرّتان والإقبال الى كلّ إضرار بالأخرى وهما العقل والجهل في العالم الصّغير ويطلق العقل والجهل على مدركاتهما أيضا ، وسعة كلّ من الوجهين بزيادة مدركاته وسعتها لانّ فعليّة الإنسان بفعليّة مدركاته كما قيل :
اى برادر تو همين انديشه اى |
|
ما بقي تو استخوان وريشه ئى |
گر گل است انديشه تو گلشنى |
|
وربود خارى تو هيمه گلخنى |
فكلّما ازداد المدركات الجهليّة ازدادت الانانيّة وضعفت الوجهة الربّانيّة ، وكلّما ازداد المدركات