تحقيق قوله تعالى (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)
ليس على الّذين آمنوا اى أسلموا فانّ المراد بالايمان هنا الايمان العامّ الّذى هو الإسلام كما سيجيء تحقيقه وتفصيله ، ولم يقل ليس على الّذين اتّقوا وآمنوا للاشارة الى انّ الّتى قبل هذا الايمان ليست من التّقوى وعملوا الصالحات والمراد بعمل الصالحات العمل بالاحكام الشّرعيّة القالبيّة جناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا اى اتّقوا بالتّقوى الّتى بعد الإسلام وقبل الايمان وآمنوا بالايمان الخاصّ الّذي يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة ويدخل به بذر الايمان في القلب وبه يتمسّك بالعروة الوثقى الّتى هي حبل من النّاس مضافا الى التّمسّك بالعروة التّكوينيّة الّتى هي حبل من الله وعملوا الصالحات الّتى هي أعمالهم القلبيّة مضافة الى أعمالهم القالبيّة ثم اتّقوا بمراتب التّقوى الّتى بعد الايمان وقبل التّقوى عن نسبة الصّفات الى غير الله وآمنوا شهودا اى أيقنوا عين اليقين بانّ الأفعال كلّها منه جارية على مظاهره اللّطفية والقهريّة ولم يقل وعملوا الصّالحات لما ذكر من انّ هذه التقوى تطهير عن الرّذائل وتحفّظ عن نسبة الأفعال الى غير الله فلا يرون فعلا لأنفسهم حتّى ينسب الأعمال إليهم لكن بقي بعد نسبة الصّفات الى الذّوات الامكانيّة ونفس الذّوات الامكانيّة في انظارهم ثم اتّقوا عن نسبة الصّفات الى غيره تعالى وعن رؤية الذّوات الامكانيّة في جنب ذاته حتّى عن رؤية ذواتهم وعن رؤية اتّقائهم ويعبّر عن الاتّقاء عن رؤية التّقوى بفناء الفناء فلا يبقى حينئذ عنهم فعل ولا صفة ولا ذات فلا يبقى ايمان ولا عمل لهم ولذا لم يأت بهما بعد هذه التّقوى وقال أحسنوا اشارة الى البقاء بعد الفناء فانّ الباقي بعد الفناء فعله على الإطلاق إحسان لا غير ، وفي الخبر : المتّقون شيعتنا ؛ والمراد بالتّقوى في الخبر التّقوى عمّا يخرج من الطّريق الانسانىّ أو ينافي السّلوك عليه ، وغير المؤمن بالايمان الخاصّ لمّا لم يكن على الطّريق لا يتصوّر له تقوى بهذا المعنى ولمّا لم يكن لغير الشيعة بهذا المعنى تقوى صح حصر المتّقى في الشّيعة. ونعم ما قيل :
هر چه گيرد علّتى علّت شود |
|
كفر گيرد ملّتى ملّت شود |
تحقيق الايمان ومراتبه
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) الايمان لغة التّصديق والإذعان وإعطاء الامان وإنفاذ الامان وجعله آمنا من الخوف والايتمان ، وشرعا يطلق على البيعة الاسلاميّة وقبول الدّعوة الظاهرة وعلى ما بعد التّوبة من أجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة العامّة من كون البائع مقرّا بالأصول الاسلاميّة قابلا للفروع وعلى الحالة الشبيهة بالحالة الحاصلة بالبيعة الاسلاميّة من كون الإنسان مقرّا وقابلا كالبائع حين عدم الوصول الى البيعة ، ويطلق على ارادة البيعة والاشراف عليها وهذه بعينها معاني الإسلام الّذى هو مقابل الايمان الحقيقىّ ومقدّمته ، ويطلق على البيعة الخاصّة الايمانيّة وقبول الدّعوة الباطنة ، وعلى ما بعد التوبة من أجزاء البيعة وعلى الحالة الحاصلة بالبيعة الخاصّة الولويّة من كون البائع مقرّا بالتّوحيد والرّسالة والولاية وقابلا للاحكام القلبيّة مضافة الى الأحكام القالبيّة ، وعلى الحالة الشبيهة بالحالة المزبورة من الإقرار والقبول المذكورين من دون بيعة حين عدم الوصول الى البيعة ، ويشبه ان يكون إطلاقه على معاني الإسلام مجازا لسلبه عنها في قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ؛ من حيث انّهم بايعوا البيعة العامّة الاسلاميّة قل لهم يا محمّد لم تؤمنوا حتّى تنبّههم على انّ الايمان امر آخر يقتضي بيعة أخرى فلم يقفوا على ظاهر الإسلام وحتّى يطلبوا ويجدوا من يدلّهم على الايمان (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) لانّ البيعة العامّة والإقرار بالأصول الاسلاميّة وقبول الأحكام القالبيّة ان كانت