موافقة لما في القلب كانت إسلاما وان لم تكن موافقة للقلب لم تكن إسلاما أيضا ولذا قال (قُولُوا أَسْلَمْنا) ولم يقل ولكن أسلمتم ، (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ) اى البذر الّذى يدخل بسبب البيعة الايمانيّة في القلوب في قلوبكم وما لم يدخل في قلب الإنسان بذر الايمان الّذى بسببه يصدق اسم الايمان وان لم يكن الموصوف باسم الايمان متّصفا بحقيقته الّتى هي شأن من حقيقة الإنسان لم يصدق عليه أنّه مؤمن ، وان تطيعوا الله ورسوله بالوفاء بالعهد الّذى أخذه رسوله (ص) في البيعة الاسلاميّة وامتثال أوامره ونواهيه بظاهرهما لا يلتكم من أعمالكم شيئا وهذا يدلّ على كفاية البيعة العامّة في النّجاة ان كان البائع صادقا في بيعته ، وعلى انّ من مات في زمان الرّسول على البيعة العامّة كان مغفورا لا محالة ، وفي قوله تعالى (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) تصريح بانّ المسمّى بالإسلام غير الايمان وانّ الإسلام مقدّمة للايمان وبه يرى طريق الايمان وفي الاخبار تصريحات بمغايرة الإسلام للايمان وانّ الإسلام قبل الايمان وانّ الثواب على الايمان ، والإسلام لا يفيد الّا حفظ الدّماء وجواز المناكحة وصحّة التّوارث ، والايمان بمعناه الشّرعىّ يناسب كلّا من معانيه اللّغوية والمراد به هاهنا ان كان الظّرف صلة له معنى التّصديق أو الإذعان وفيما روى عن مولانا الصّادق (ع) انّ المراد بالغيب هنا ثلاثة أشياء يوم قيام القائم (ع) ويوم الكرّة ويوم القيامة من آمن بها فقد آمن بالغيب وهذا بعينه هو معنى قوله تعالى (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) دلالة على كونه صلة ليؤمنون ، وان كان مستقرّا حالا من الفاعل والمعنى الّذين يؤمنون حالكونهم في الغياب من الله أو الآخرة أو متلبّسا بالغيب يمكن ان يراد معناه الشّرعىّ أو كلّ واحد من معانيه اللّغويّة سوى إعطاء الامان وإنفاذ الامان.
تحقيق الصّلوة ومراتبها
(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) اعلم انّ الإنسان كما مرّ ذو مراتب كثيرة وادنى مراتبه مرتبة قالبه الجسمانىّ وبعدها مرتبة نفسه الّتى يعبّر عنها بالصّدر وبالقلب أيضا وبعدها مرتبة قلبه الّتى هي بين النّفس والرّوح ، وبعدها مراتبه الاخر ، وفي كلّ مرتبة له صلوة وصلوته القالبيّة في الشّريعة المحمديّة (ص) الأفعال والاذكار والهيئات المخصوصة المعلومة لكلّ من دخل في هذا الدّين بالضّرورة وصلوة قلبه الّذى هو صدره الذّكر المخصوص المأخوذ من صاحب الاجازة ، والفكر المخصوص المأخوذ من قوّة الذّكر أو من تعمّل المفكّرة ، والمراد بالفكر ما هو مصطلح الصوفيّة من التّوجّه الى الامام كما ورد وقت تكبيرة الإحرام تذكرّ رسول الله (ص) واجعل واحدا من الائمّة نصب عينيك وصلوة القلب الّذى هو بين النّفس والرّوح مشاهدة معاني أذكار الصّلوة ومشاهدة الأحوال والشؤن المشار إليها بأطوار الصّلوة وصلوة الرّوح معاينة هذه وهكذا ، ومعنى اقامة الصّلوة جعل صلوة القالب متّصلة بصلوة الصدر وصلوة الصّدر متّصلة بصلوة القلب ، وهكذا سواء كان الاقامة بمعنى الاقامة عن اعوجاج أو عن قعود ، أو بمعنى اقامة حدود الصّلوة فان أعظم حدودها حدودها الطّوليّة فانّها بالنّسبة الى الحدود العرضيّة كالرّوح بالنّسبة الى القالب فصلاة القالب كقالب الإنسان والصّلوة الذّكريّة القلبيّة الجسمانيّة كالرّوح البخاريّ من الإنسان الّذى هو مركب القوى والمدارك الحيوانيّة ، والصّلوة الفكريّة الصدريّة كالبدن المثالىّ من الإنسان ، والصّلوة القلبية الرّوحانيّة كروح الإنسان ، فكما انّ الإنسان بدون المراتب الباطنة ميتة عفنة تؤذي قرينها كذلك الصّلوة القالبيّة بدون مراتبها الباطنة جيفة عفنة موذية ؛ وقد ورد ربّ مصلّ والصّلوة تلعنه.