بيان الكفر واقسامه
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله لا بالشيّطان فانّ الكفر كفران ؛ كفر بالله وكفر بالشيّطان وإذا أطلق في الآيات والاخبار كان المراد الكفر بالله ؛ والكفر بالله ينقسم الى كفر الوجوب الذّاتىّ وكفر الآلهة وكفر التّوحيد وكفر الرّسالة وكفر الولاية وكفر المعاد وكفر النّعماء ؛ فانّ القائلين بالبخت والاتّفاق كافرون بالوجوب الذّاتىّ ، واليهود القائلين بالوجوب الذّاتىّ وانّه قد فرغ من الأمر ، والمعتزلة القائلين بأنّ العباد فاعلون بالاستقلال كافرون بالآلهة ، والقائلون بمبدئين واجبين أو بمبدإ واحد واجب وفاعلين إلهين كافرون بالتّوحيد ، ومنكر الرّسالة المطلقة أو رسالة رسول خاصّ كافر بالرّسالة ، ومنكر بقاء الولاية بعد انقطاع الرّسالة مطلقا أو منكر ولاية ولىّ خاصّ كالعامّة ، والفرق المنحرفة من الشيعة كافرون بالولاية ، ومنكر المعاد كافر بالمعاد ، ومنكر انعام المنعم كافر بالنّعم ، وكلّ واحد من ذلك امّا كفر قالىّ أو جنانىّ أو حاليّ أو شهودىّ أو تحقّقىّ ، والمنفصلة مانعة الخلوّ فانّ الكافر بالنّعمة امّا كافر لسانا كقارون حين قال : انّما أوتيته على علم عندي ، أو اعتقادا كمن لا يعتقد مبدء ولا انعاما منه ، أو حالا كأكثر المقرّين بالله وبانعامه الغافلين عنه ، أو شهودا وقلّ من لا يكفر بهذا الكفر ، أو تحقّقا ولا ينفكّ عنه الّا الأنبياء وبعض الأولياء ، وينقسم بقسمة أخرى الى الكفر الفطرىّ وهو الكفر الذّاتىّ الّذى لا ينفع لصاحبه الإنذار ، والى الكفر العرضي الّذى ينتفع صاحبه بالإنذار بل الإنذار لهذا الكافر والّا فالمؤمن بجهة ايمانه ليس له الّا البشارة ، والمراد بالكفر في الآية الكفر الذّاتىّ الّذى لا ينتفع صاحبه بالإنذار ولذا حمل على الّذين كفروا قوله (سَواءٌ) مصدر بمعنى مستو سواء فيه المفرد والجمع والمذكّر والمؤنّث عليهم لا عليك فانّ الإنذار طاعة ونافع لك سواء اثّر أم لم يؤثّر فانّما عليك البلاغ وهم المذمومون بعدم التأثّر والكلام في ذمّهم عكس قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) فانّ المراد ذمّ المخاطبين على ارتكاب امر لا ينفعهم (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) الفعل الّذى بعد همزة التّسوية امّا مؤوّل بالمصدر أو ملحوظ فيه معنى المصدر مقطوع النّظر عن النسبة الّتى هي جزء من معناه ولذا يحكم عليه وسواء هاهنا خبر انّ وما بعد الهمزة فاعله أو سواء مبتدء لما بعده أو خبر عنه والجملة خبر انّ أو فاعل سواء مستتر وما بعد الهمزة مفسّر له (لا يُؤْمِنُونَ) خبر بعد خبر أو مستأنف جواب للسؤال عن حالهم أو دعاء عليهم أو خبر انّ لا يؤمنون وسواء عليهم الى الآخر حاليّة أو معترضة (خَتَمَ اللهُ) خبر بعد خبر أو حال أو استيناف في مقام التعليل أو في مقام الدّعاء والختم الطّبع ختم الكتاب والإناء وختم على الكتاب طبع عليه بخاتمه أو بشيء مثل الخاتم بحيث إذا فتح لا يمكن ختمه الّا بمثل ذلك وختم الكتاب بلغ آخره في قراءته.
تحقيق مراتب القلب وإطلاقاته وتحقيق ختم القلب والبصر
(عَلى قُلُوبِهِمْ) جمع القلب والقلب يطلق على القلب الصّنوبرىّ اللحمىّ وعلى النّفس الانسانيّة الّتى هي برزخ بين عالم الجنّة والّشياطين وبين عالم الملائكة وهي الّتى يعبّر عنها بالصّدر منشرحا بالكفر أو الإسلام أو غير منشرح بشيء منهما ويعبّر عنها بالاعتبارات بالنّفس الامّارة واللّوامة والمطمئنّة ويطلق على المرتبة الّتى بين هذه النّفس والعقل ويدرك الإنسان في تلك المرتبة شيئا من حقائق علومه وثمرات اعماله ويتشأّن بشؤنات علومه وأعماله ولذا قيل انّ القلب معدن المشاهدة اى مشاهدة شيء جزئىّ من حقائق العلوم والأعمال ، والى هذا أشار تعالى بقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) فانّ المراد بمن كان له قلب من كان